ثلاثية التجاوز في الكويت: استنساخ تجربة محمد بن سلمان

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 123
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

تمايزت الكويت، تاريخيا، عن محيطها في الخليج بالعديد من المفاصل السياسية والاجتماعية التي سمحت بشيوع حالة من الاجماع حول اختلاف التجربة السياسية والمسار المتوقع لعقود مقبلة. إلّا أنه مع تكرار الانتكاسات السياسية ومراقبة آليات تعاطي الأسرة الحاكمة معها، سيّما مؤخرا، بات ما كان مسلّما به قابلاً للبحث والتدقيق مرة أخرى. يضاف إلى حالة عدم الاستقرار السياسي في الكويت، قضايا أخرى باتت تشكل خطرا على “ديمقراطية” الكويت، منها: قضية البدون وكل ما تتعرض له هذه الفئة من المواطنين غير المجنسين من إقصاء وتهميش وحرمان من أبسط الحقوق، وتصاعد إجراءات القمع والتضييق على الطائفة الشيعية من بوابة برامج وأنشطة إحياء عاشوراء. التخلّي عن الدستور لإنقاذه لطالما اتّسمت الكويت بنقاشها السياسي الداخلي النشط، وانتخاباتها البرلمانية المتكررة، والمساحة المقبولة من حرية التعبير والصحافة المستقلة مقارنة بالجو السياسي العام في دول الخليج. هذا الجو المذكور لم يكن يعجب دول الجوار ولا سيما “السعودية” التي سعت دوما للضغط من أجل تقويض الحياة الديمقراطية في الكويت والدفع باتجاه فرض سياسات أكثر تشددا وتقييدا للعمل السياسي “الحزبي” ممثلا في الكتل والجمعيات والشعبي ممثلا في الديوانيات والتجمعات القبلية، وقد باتت الضغوط مؤخرا تفرض نفسها تباعا على آل الصباح ورؤيتهم لحكم البلاد. ففي العاشر من مايو/أيار الماضي، علّق “ولي عهد الكويت” الجديد، مشعل الأحمد الجابر الصباح، عمل مجلس الأمة الكويتي- المنتخب شعبيا- وأوقف العمل ببعض مواد الدستور. الخطوة التي لطالما خضعت للنقاش، وتلافاها أسلافه منذ العام 1986، أقدم عليها مشعل الصباح، وعلّق المادة التي تمنعه صراحةً من تعليق الموادّ ذاتها التي عمد إلى تعليقها. وتضمّن الأمر “الأميري”، جدولاً زمنياً نصّ على تعيين لجنة خبراء لصياغة التعديلات الدستورية المُقترَحة خلال ستة أشهر، على أن تُحال التعديلات إلى مجلس الوزراء المُعيَّن قبل رفعها إلى الأمير. وفي غضون السنوات الأربع المقبلة، تُطرَح التغييرات المُقترَحة على الاستفتاء العام أو تُرفَع إلى البرلمان. عند هذا الحدّ، لا بدّ من الإشارة إلى خطورة هذين المسارين. أولاً، هناك شكوك حول ولاء اللجنة المعينة لصياغة التعديلات الدستورية، والتي غالبا سيتم اختيار اعضاءها بما يتوافق ورؤية “الأمير”، ورفعها إلى مجلس الوزراء لن يبدّل في الأمر شيئا لكون المجلس نفسه معيّن من قبل الأخير أيضا. ثانياً، مع حلّ البرلمان الذي كان قد انتُخِب للتوّ، وتعليق الموادّ الدستورية التي تحكم عمله، يبقى من غير الواضح كيف سيُنتخَب برلمان جديد، ولا ضمانات لحصانته دستوريا تحميه من عدم حلّه مجددا في حال تم إعادة تشكيله بانتخابات حرة فعلا. ما صدر من قرارات، وضعت التجربة الديمقراطية في الكويت في حالة موت سريري بانتظار رصاصة الرحمة. فيما  يزعم ولي العهد الكويتي، المقرب من محمد بن سلمان، بأن اجراءاته ترمي إلى حماية الدستور من بوابة تعليق العمل بأهم مواده. وفي تعليق للمختص بالشأن الكويتي، وليد محب، أكد أن “المؤقت يستمر”، وأن “مجلس الأمة يجمع معقبي معاملات لا أكثر”. مشيرا أن الكويت لم تسلك مسار تشكل الدولة الطبيعي، ما انعكس سلبا على بنية المؤسسات فيها.  “البدون” حرمان من الجنسية من الوارد أن تولد لأب وأم لم يعرفوا غير الكويت وطناً ولم يسافروا يوما خارجها، من الوارد أن تفهم مع السنوات وقد تكون جاوزت العشرين عاما أنك لست كويتيا، ولن تكون، وأن تسميتك القانونية في البلاد “مقيم بصورة غير شرعية”، رغم أنك لم تعرف في حياتك بلدا غيره! وبالبساطة التي تتعامل بها السلطات مع المشكلة المتفاقمة، يزيد عدد البدون في الكويت عن 106 آلاف شخص وفقا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”. يُعتبر “البدون” في الكويت أكبر جماعة لا تحمل جنسيّة في العالم. ولأن السلطات تعتبرهم مقيمين بصورة غير شرعية، فإنها تستهدفهم وتنتهك حقوقهم الإنسانيّة بصورة ممنهجة. ومن بين انتهاكات حقوق الإنسان هذه، الحرمان من فرص التعليم، والمسكن، والرعاية الصحية، والعمل. بسبب هذا التمييز، غالباً ما يعيش “البدون” في الفقر والعزلة الاجتماعيّة، ويعيش معظمهم في أحياء عشوائية في ضواحي المدن الرئيسية في البلاد، حيث لا يتوفّر السّكن اللائق. فيما تعتمد الحكومة الكويتية سياسة واضحة لمعاقبة أصحاب العقارات الذين يبرمون عقود إيجار مع أي عائلة تنتمي إلى البدون مما يعقّد حصول عوائل البدون على مسكن لائق. ويؤدي هذا التمييز إلى ارتفاع معدل الانتحار بين الأصغر سناً في مجتمع البدون. في سياق متصل، تطرق تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، نشر العام الماضي، والمعنون “ليس لي مستقبل‘: الكويتيون عديمو الجنسية والحق في التعليم” بالتفصيل كيف أن الحكومة تُجبر أطفال البدون – الذين وُلدوا بدون جنسية في الكويت – على دفع رسوم التعليم الخاص الذي يعدّه الآباء والأمهات والأطفال دون مستوى التعليم في المدارس الحكومية المجانية التي يلتحق بها المواطنون الكويتيون. وهنا يأتي الحديث عن ممارسة الحكومة الكويتية التمييز ضد أطفال البدون من خلال حرمانهم من التعليم المجاني في المدراس الحكومية. وفي جانب آخر، قررت السلطات الكويتية في يوليو 2024 وقف إصدار جوازات السفر المعروفة محليا باسم “مادة 17″، ما يعني فعليا تقييد حركة التنقل للبدون، ومنعهم من السفر. حيث أعلنت الداخلية الكويتية أن الوزير فهد يوسف الصباح، وجه “بوقف جواز مادة رقم (17) الخاص بالمقيمين بصورة غير قانونية، وجميع المعاملات المقدمة الخاصة به، باستثناء الحالات الإنسانية – العلاج والدراسة”. وأوضحت الوزارة الكويتية أن كل من لديه جواز سفر “مادة 17” يعتبر “ملغيا”، مطالبة أصحاب الحالات الإنسانية بمراجعتها. وأفادت صحيفة “قبس” المحلية، عن استمرار العمل بالجوازات للطلاب الذين يدرسون في الخارج، لكن السلطات لن تصدرها للطلاب الجدد الذين يتطلعون للدراسة خارج البلاد للمرة الأولى. بدوره، أوضح المختص بالشأن الكويتي، وليد محب، أنه وفقا لأحكام قانون الجنسية الصادرة سنة 1959 فإن الحرمان من الجنسية يتم بمرسوم إداري، غير خاضع لحق الطعن. إن قرارًا كهذا هدفه مضاعفة الضغط على “البدون”، وتقليص خيارات الحياة أمامهم، من بوابة منعهم من السفر للتعلم أو لإيجاد فرصة عمل أو حتى للترفيه. هذا القرار في العمق يسعى للتأكيد على تصلّب النظام الكويتي تجاه هذه الفئة، ورغبته الجامحة في تصفير عدّاد “البدون” في البلاد عبر التضييق على أبسط مقومات الحياة لديهم.  تهجير “البدون” وعند هذه النقطة، أصدر وزير الداخلية الكويتي فهد اليوسف قراراً يقضي بإخلاء منطقتي تيماء والصليبية التابعتين لمحافظة الجهراء بهدف تجريفِهما بالكامل. وتضمَّنَ القرار إمهال السكان شهراً واحداً لإخلاء المنازل، التي يسكنُها كويتيونَ من البدون منذ عشرات السنين. عند هذا الحدّ، يمكننا القول أن تمادي النظام الكويتي في معاداته للبدون، والامتناع عن حلّ قضيتهم عبر تجنيسهم وإعطائهم كامل حقوقهم المدنية، سيولد أجيالًا تناصب النظام الكويتي العداء. وتثبت ممارسات النظام عزمه على سحب الجنسية من مواطنيه وليس العكس، ففي الاول من سبتمبر/أيلول الجاري، اتخذ مجلس الوزراء قرارا يقضي بسحب الجنسية الكويتية عن 9 من المواطنين. كما تم سحب الجنسية من المعارض الناشط سلمان الخالدي وهو خارج الكويت حيث يقيم في بريطانيا بصفته لاجئ سياسي. قمع المظاهر العاشورائية: الصباح يقتدي بابن سلمان وقي استمرار لحالة “السيبان” والاستهتار الحكومي، مع حلّ مجلس الأمة، وبالتالي غياب مساءلة النواب للوزراء، تفرّد وزير الداخلية باتخاذ قرار يمنع من خلاله رفع رايات عاشوراء ونصب الخيام، وحصر الإحياء في داخل الحسينيات، وإلغاء المسيرات العاشورائية، وهي اجراءات لم يكن لها أي سبب مقنع، ولا سيما أن عمليات تنظيم الإحياء في السنوات السابقة كانت تتم بسلاسة، بتعاون بين وزارة الداخلية والسلطات الأمنية من جهة، ومنظمي المجالس من جهة أخرى. ولم يحدث مرة أن أثارت تلك المجالس مشكلة، ولا حدث أن أدت الإجراءات التنظيمية للسلطات الكويتية إلى اعتراضات من المنظمين أو المشاركين. ما نريد قوله، أن الاجراءات المتخذة من قبل النظام الكويتي في موسم عاشوراء الماضي لا تدع مجالاً للشك بدوافعها وأهدافها الطائفية والسياسية والفتنوية. إذ صدر القرار في وقت تشهد فيه المنطقة حرباً ضارية متعددة الجبهات مع العدو الصهيوني، يتوحّد فيها السنة والشيعة ضد إسرائيل، فلمصلحة مَنْ هذه الفتنة؟ ومن الذي أرادها؟ قد أبدى الكويتيون رفضهم لهذه الخطوة المثيرة للجدل، ويؤكد منتقدو الحكومة الكويتية، الذين يشيرون إلى الطبيعة غير المسبوقة لهذه القيود، أن هذا الإجراء يتماشى مع محاولة الحكومة السيطرة على المجتمع المدني الكويتي. وأكد معارضو قرار الحكومة الكويتية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكثير منهم ليسوا حتى من شيعة البلاد، أن الحكومة، بعد إغلاق البرلمان، واعتقال بعض المنتقدين والصحفيين، تسعى الآن إلى فرض القيود على الحياة المدنية من خلال قوائم الممنوعات للأنشطة الدينية والثقافية والشعبية في البلاد. يبدو أن ولي العهد الكويتي اختار أن يمضي على درب حليفه وصديقه محمد بن سلمان في محاصرة الطائفة الشيعية، وهناك خشية من أن تكون تلك الإجراءات “أول الغيث” في مسار تغيير التعامل مع المواطنين الشيعة الذين يمثلون 40% من سكان الكويت. تَجمع محمد بن سلمان وولي عهد الكويت صباح خالد الحمد الصباح علاقة متينة، دفعت الأخير لاختيار “السعودية” كأول وجهة له في أول زيارة رسمية له، منذ تعيينه. وتعدّ سياسات التضييق على الشعائر الدينية “كاراً” سعوديا خالصاً قابلا ًللتوريد، ضمن مجموعة العناوين الفضفاضة بينها “محاربة الفساد” و”مكافحة الإرهاب” وهي العناوين نفسها التي حملها محمد بن سلمان في انقلابه على ابن عمه محمد بن نايف. وفي هذا الصدّد، رأى وليد محب أن ما يحصل في القطيف والأحساء من هدم وتهجير وكذا السياسات السعودية في التضييق على أنشطة إحياء عاشوراء يتم استنساخها نفسها في الكويت اليوم بحق الأقليات فيها سواء الشيعة أو البدون” كل ما ورد ينبئ بخوض مشعل الصباح انقلابًا على الديمقراطية الكويتية بتعليمات سعودية.