تجمع الأعمال الصيني العربي.. الرياض تتطلع إلى بكين مع تراجع نفوذ واشنطن بالشرق الأوسط
سلط الزميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، سام داغر، الضوء على تطلع المملكة العربية السعودية لتعميق العلاقات التجارية مع الصين مع تراجع النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا إلى أن الرياض حولت بوصلتها نحو بكين بعد أيام من الترحيب بوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين.
وذكر داغر، في مقال نشره موقع وكالة "بلومبرج" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الرياض استضافت، خلال اليومين الماضيين، أكبر تجمع أعمال صيني عربي على الإطلاق، تحدث فيه المسؤولون السعوديون عن دمج الصين في المنطقة العربية، فيما قال المسؤولون التنفيذيون الصينيون إنهم مستعدون "لإزالة أمريكا" عن موقعها كأكبر مصدر للنفط في العالم.
وقال وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، في كلمة رئيسية يوم الأحد: "لقد حان الوقت، من وجهة نظري، لأن تكون الصين شريكًا استثماريًا رئيسيًا في مسيرة التنمية بالعالم العربي"، مشيرًا إلى أن القوة الاقتصادية العربية ستكون بمثابة " جسر" إلى بقية المنطقة.
وهنا يشير داغر إلى أن الشرق الأوسط أصبح أقل أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، ما ترك فراغًا سياسيًا واقتصاديًا في المنطقة، تسارع الصين لملئه.
وأضاف أن ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، بدأ فترة ولايته بمغازلة حلفائه التقليديين، والشروع في جولة كبيرة بالولايات المتحدة وبناء علاقات مع إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، لكن العلاقات بين الرياض وواشنطن توترت بعد مقتل الصحفي، جمال خاشقجي، على يد عملاء سعوديين في 2018.
وساهم ضعف علاقة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، بحاكم السعودية الفعلي، في رفض السعودية لمناشدات الولايات المتحدة بضخ المزيد من النفط مع ارتفاع أسعار الخام بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ما دفع ذلك العلاقات الأمريكية السعودية إلى واحدة من أضعف نقاطها منذ عقود، حسبما يرى داغر.
ورغم تحسن العلاقات بين البلدين لاحقا، وصولا إلى زيارة بلينكين الأخيرة، إلا أن الخلافات العميقة حول بعض القضايا لاتزال مستمرة، بما في ذلك انخراط الصين في شؤون الشرق الأوسط، لا سيما في مجالي الدفاع والأمن.
وبعد أن فشل في التأثير على السياسة الأمريكية بشأن البرنامج النووي الإيراني أو طلب مساعدة الولايات المتحدة لصد هجمات الميليشيات المدعومة من إيران، لجأ بن سلمان إلى الوساطة الصينية لاستعادة العلاقات مع منافسه الخليجي.
وقالت نوو شي، كبيرة مديري الاستثمار في شركة "نورث بيتا إنترناشونال أسيت مانجمنت" المحدودة ومقرها هونج كونج: "قيل لنا إن السعودية تحاول نزع الطابع الأمريكي عن رغبتها في تبني التكنولوجيا الصينية"، مضيفا: "لن يكونوا (السعوديين) قادرين على تنفيذ الرؤية العظيمة بأنفسهم وهذا هو سبب وجودنا هنا".
وهنا يشير داغر إلى أن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، هي بالفعل المشتري الأول للنفط السعودي، ما يجعلها أكبر شريك تجاري للمملكة بصفقات قدرت قيمتها العام الماضي بنحو 116 مليار دولار.
ومع ذلك، فإن أكبر صناديق الثروة السيادية في الخليج تميل تقليديًا إلى ضخ استثماراتها في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث عمق الأسواق وشفافية القوانين وأطر التنظيم.
ومع ذلك، ومنذ الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الصيني، شي جين بينج، إلى السعودية في ديسمبر/كانون الأول، شجع المسؤولون السعوديون نظرائهم الصينيين على البحث عن استثمارات خليجية ودور محتمل في رؤية 2030، وهي خطة بن سلمان للتحول الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، سافرت "نوو شي" إلى الرياض، مع العديد من زملائها ورؤساء 7 شركات تكنولوجيا صينية، تمتلك شركتها حصصًا فيها، لمطالبة صندوق الثروة السيادية في المملكة بالاستثمار في صندوق جديد بقيمة 200 مليون دولار واستكشاف إمكانية جلب التكنولوجيا الصينية إلى السعودية.
ومن بين زملاء نوو شي، كريم الوادي، المؤسس المشارك لمجموعة بيلتواي التي تستثمر مع الشركات الصينية في مشروعات البنية التحتية بالشرق الأوسط، والذي يستهدف إقناع صناديق الثروة السيادية الخليجية بالبحث عن فرص في الشرق.
وقال رجل الأعمال السوري الروسي، الذي عاش في الصين لمدة 22 عامًا: "حجتي هي أن الأموال الأمريكية تنسحب من الصين لأسباب سياسية (..) الآن هو أفضل وقت لدخول الأموال العربية إلى الصين لأن العرب فوتوا المرحلة الأولى من المعجزة الصينية".
وكان الفالح قد أعلن، الأحد، أن بلاده تتجه لتدشين خط حرير للتنمية مع الصين، وسط تعزيز بكين لمكانتها كأكبر شريك تجاري للدول العربية.
وأكد الوزير السعودي أن بلاده ستعمل، من خلال تجمع الأعمال العربي الصيني، "على إطلاق طريق حرير عصرية جديدة محركها رؤية عربية للتعاون والتشارك، ووقود انطلاقتها شبابنا وابتكاراتنا، لنحقق مصالحنا وشركائنا في كل أنحاء العالم".
وأشار الفالح إلى أن السعودية "تسعى لشراكات مستدامة من أجل مستقبل أفضل"، لافتا إلى أن "الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من الصين نما بنسبة 20% بشكل سنوي خلال العقد الماضي، وكان نصيب الدول العربية منه 23 مليار دولار".
المصدر | سام داغر/بلومبرج -ترجمة وتحرير الخليج الجديد