السعودية حين تغضب وتعاقب!
صلاح السقلدي
بعد مرور أربعة أعوام من الحرب التي تخوضها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة باليمن لقطع يد إيران باليمن، وحتى لا تسقط عاصمة عربية جديدة بيد طهران الى جانب العواصم العربية التي سقطته: بغداد، دمشق بيروت- بحسب الإعلام الخليجي- فبرغم ذلك فقد اقتربتْ عواصم عربية أخرى من محور إيران- إن جاز لنا استخدام هذا المصطلح- ليس ناتجا عن قوة ونجاح السياسية الإيرانية فقط بل عن اخفاق وطيش سياسيات خصومها بالمنطقة العربية. فبعد أن تم إخراج قطر من البيت الخليجي وحشرها بزاوية الأقصاء فقد كان متوقعا أن تقترب الدوحة من مماس دائرة التقارب مع المحيط الإيراني بذات المسافة التي بعدتْ فيها – مرغمة -عن محيطها الخليجي. فحين يتعمّــد الأخ الأكبر طردُ أخيه الأصغر من الدار فلجوء هذا الأخير الى دار جيرانه ليطب المؤازرة بمحنته وينشد التعاضد بأزمته، فأن هذا يكون أمرا متوقع الحدوث.
كما فعلت قبل ذلك الشيء ذاته سلطنة عُـــمان،المعضوب عليها خليجياً،والتي تشعر دوما بأنها منبوذة من محيطها الخليجي بسبب إصرارها على استقلالية قرارها السياسي والاحتفاظ بنهجها المتميز بعيدا عن أية إملاءات وهيمنة خليجية، وسعودية تحديدا. وهو الأمر الذي وجدتْ فيه السلطنة نفسها تسير على درب طهران،- وغير طهران بالمنطقة وبالعالم-، فضلاً عن أنها أي السلطنة تنتهج أصلا سياسة خارجية متوازنة مع الجميع لا مكان فيها للقطيعة مع أي طرف كان- ولنا في موقفها المتفرد عن باقي الأنظمة العربية من نظام الرئيس المصري الراحل أنور السادات بعد القطيعة العربية التي طاولته بسبب اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل، حين احتفظت عُــمان بعلاقات دبلوماسية مع القاهرة بخلاف باقي الدول العربية، وهذا النهج الاستقلالي التاريخي لعُــمان لم يرق للرياض-وإلى حد ما الإمارات العربية المتحدة-. يوما من الأيام. فالرياض التي تتّــبع سياسة الهيمنة على شركائها العرب وتجبرهم على الدوران في فلكها، وترغمهم نظير دعم مالي على الإذعان والانسياق الأعمى خلفها، ولا مجال بالتالي لهؤلاء في الرفض أو التحفظ أن أرادوا المال السعودي، فللسعودية مذهبها وفلسفتها الصادمة بالتعاطي مع من يأخذ مالها “فمن ليس معنا قولا وفعلا فهو ضدنا ولا يستحق أموالنا”.
فأي دعم مالي تقدمّـــه لأية دولة أو أية جهة بمنطقة الشرق الأوسط و أفريقيا لا يمكن أن يكون إلّا مشروطا بمواقف سياسية أو ما شابه ذلك من الثمن والضريبة المدفوعة… فمّــن ذا الذي يجرؤ من الزعماء العرب- وغير العرب- الذين يتلقّون الدعم المالي السعودي –إلا من رحم ربي- أن يقف بوجه الرغبة السعودية وهو يعرف أن العقاب سيكون ليس فقط حرمانه من الدعم المالي بل سيتجاوز ذلك لما هو أبعد ولنا في تجربة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قبل عام مثالا صارخا حين تعرض في الرياض لتلك الأزمة العصيبة.!
ونافلة في القول أيضا نتساءل:كم عدد الزعماء العرب الذين بعثوا ببرقيات تهان لدولة قطر بمناسبة فوزها بكأس آسيا قبل أيام غير أمير الكويت والرئيس الفلسطينيين أبو مازن؟،وهذا الأخير اضطر الى ذلك اضطرارا بعد ساعات من إبراق زعيم حركة حماس لأمير قطر.
ومقابل ماذا تقدِّم المملكة مئات من مُنح العُـــمرة لأبناء محافظة المهرة –جنوب اليمن- دون سواها من المحافظات؟، قطعاَ أن ذلك نظير مقابل سياسي واقتصادي تريده الرياض في تلك المحافظة التي تضخّم فيها قواتها العسكرية يوما إثر يوم- أو بمعنى أوضح هي رشوة دينية لأغراض دنيوية غير قابلة للتنصل أو التنكر لها من الممنوح لهم-. وتعمل السعودية فيها أي في المهرة بوتيرة عالية من الانتهاء بإنشاء منفذ نفطي في الميناء البحري الرئيسي للمحافظة ( ميناء نشطون) ليكون نافذتها على بحر العرب،- فقبل يومين شرعت السعودية ببناء برج مراقبة بحري لذات الغرض- بحسب مصادر محلية هناك-. كما تضاعف فيها حضورها السياسي ووجودها الاقتصادي والاستخباراتي ناهيك عن العسكري بالطبع، من بوابات الدعم الإغاثي والانساني, وبوابة إعادة الإعمار في هذه المحافظة التي لم تُـــطلق فيها رصاص واحدة أساساً ولم تسقط فيها حجرة واحدة من مبنى كونها بعيدة عن ساحة المعارك, ومع ذلك تصرُّ السعودية على إعادة الإعمار فيها وتتناسى باقي المحافظات المدمرة مثل محافظة عدن.
رب قائل يقول: لماذا لم تعاقب السعودية الرئيس السوداني عمر البشير على زيارته لدمشق والدوحة مؤخرا ؟،ولماذا البشير لم يخشى العقوبة السعودية أيضا؟، الجواب ببساطة لأن السعودية مستفيدة في هذه الفترة من القوات السودانية بحرب اليمن وهي القوة الأضخم التي تسد فراغ غياب الوجود الخليجي على أرض المعركة المباشرة.ومع ذلك فالبشير لم يسلَم من العقاب الغير مباشر، فكيفي أن نتابع التغطية الإعلامية السعودية للاحتجاجات الشعبية بالسودان وكيف يركّـــز هذا الإعلام على زخم هذه الاحتجاجات” الثورة الشعبية السودانية” وإبراز كثافة المحتجين وحالات القمع التي يتعرضون لها، برغم أنها أي السعودية كما نعرف الخصم اللدود لثورات الشعوب على مر التاريخ. أما لماذا لم يخش البشير من العقاب السعودي، فلأنه يعرف حاجة الرياض لقواته ويعرف أن السعودية والإمارات لا يستطيعان بهذه الظروف جلب قوات عربية بديلة، في وقت يشتد فيه الخناق عليهما بوقف الحرب، ويتراجع فيه الدعم العربي لهذه الحرب.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فتعالوا انظروا بالمقابل الى غضب السعودية من المملكة المغربية ومليكها “محمد السادس بن الحسن” بسبب انسحابها من حرب اليمن -وأسباب أخرى-، فقد سلّطتْ وسائل الإعلام السعودية وبالذات قناة العربية الحدث الفضائية،- التي تشكِّـل دُرّة تاج الإعلام السعودي بامتياز- حين شرعت قبل ايام بتخصيص حيزا إعلاميا واسع النطاق لجبهة “البوليساريو” الصحراوية التي تخوض نضالا مريرا ضد الرباط لاستقلال الصحراء الغربية. وهذا الاهتمام الاعلامي السعودي المفاجِئ هو رسالة عقاب واضحة المعنى والدلالة للملك وبلاده على انسحابه من حرب اليمن، وعلى خروجه عن الخط السعودي الإماراتي تجاه قطر التي رفضَ حصارها، ورفضَ بصورة جريئة استقبال الأمير بن سلمان قبل أشهر في المغرب.!
*صحافي من اليمن-عدن-.