ما هِي الرسائل التي حاول الأمير بن سلمان توجيهها إلى إيران وحُلفائها من خلال مُقابلته الأخيرة مع محطّة “سي بي إس” الأمريكيّة؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 11535
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

وهل جاء ميله للتّهدئة نتيجةً للخُذلان الأمريكيّ و”إنجازات” الحوثيين العسكريّة في بقيق ومحور نجران والخسائر الضّخمة في المعركتين؟ ولماذا لا نَستبعِد حِوارًا وشيكًا في جنيف أو الكويت؟
من تابَع تفاصيل المُقابلة التي بثّتها قناة “سي بي إس” الأمريكيّة فجر اليوم الاثنين مع الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السعوديّ، وتعبيرات وجهه، وطريقة إجابته على الأسئلة، يخرُج بالعديد من الانطباعات حول تطوّرات الأوضاع السعوديّة والإقليميّة.
الأوّل: أنّ الأمير بن سلمان كان يتحدّث كالرّجل صاحب القرار الأوّل والأخير في بلاده وليسَ كوليّ عهد، ونادرًا ما ذكَر والده الملك سلمان، وأكّد أنّه يتحمّل المسؤوليّة الكاملة عن جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي لأنّها وقعت “في عهده”، وباعتِباره المسؤول الفِعليّ عن إدارة شُؤون البلاد ولديه ثلاثة ملايين مُوظّف.
الثاني: أنّه كان يميل إلى التّهدئة ويجنَح للسّلم تُجاه الخصم القويّ للمملكة، أيّ إيران، وهذا الطّرح يختلِف كُلِّيًّا عن لهجتهِ التصعيديّة في مُعظم، إن لم يكُن، كُل مُقابلاته السابقة، وخاصّةً تُجاه إيران وحُلفائهم في اليمن.
الثالث: أنّ الأمير بن سلمان الذي اتّخذ قرار بلاده بالهُجوم على اليمن تحت عُنوان إعادة الشرعيّة، حرَص على التّأكيد بأنّه مُنفتحٌ على جميع المُبادرات الهادِفة للتوصّل إلى حلٍّ سلميٍّ للحرب اليمنيّة، ويُفضّل الحل السياسيّ على الحل العسكريّ.
التّفسير الأبرز لهذا التحوّل في السياسة السعوديّة والجُنوح للسّلم يعود بالدّرجة الأولى إلى “حالة الخذلان” والشّعور بالخديعة التي تعيشها المملكة وقيادتها من قبل حُلفائها الغربيين، والأمريكان بالذّات، الذين تخلّوا عنها، وتركوها لوحدها تُواجه هجمات إيرانيّة، أو من قبل أذرعة عسكريّة مدعومة منها، ولم يُقدِموا على أيِّ ردٍّ انتقاميٍّ على استهداف المُنشآت النفطيّة في عُمقها ثلاث مرّات مُتتالية أدّت إلى خفض إنتاجها إلى النّصف، خاصّةً بعد عمليّة بقيق وخريص، مركز أعصاب الصّناعة النفطيّة السعوديّة.
صحيح أنّ هذه المُقابلة مع وليّ العهد السعوديّ أُجريت قبل ثلاثة أيّام من إعلان حركة “أنصار الله” الحوثيّة عن انتصارٍ عسكريٍّ كبيرٍ حقّقته قوّاتها في محور نجران تمثّل في أسر 2000 جندي، نِسبةٌ كَبيرةٌ منهم من السعوديين، والاستيلاء على مِئات العربات المُدرّعة، وتحرير حواليّ 350 كيلومترًا مُربّعًا من الأراضي، وقتل وإصابة 500 جندي، ولكن الأمر المُؤكّد أنّ الأمير بن سلمان كانَ يعلم بتفاصيلها بحُكم منصبه كوزيرٍ للدّفاع إلى جانب ولايته للعهد، ولهذا انعَكس هذا “الإنجاز الحوثي” بشكلٍ لافتٍ على لهجة المُقابلة وترجيح كفّة الحل السلميّ ليس مع حركة “أنصار الله”، وإنّما مع إيران أيضًا.
من الواضح أنّ الأمير بن سلمان فتح المجال أمام الوسطاء والوساطات مع إيران، بل ربّما كان “مُحرّضًا” في هذا المضمار، فليس من قبيل الصّدفة أن يُعلن كُل من السيّد عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني في الأمم المتحدة عن طلبٍ سعوديٍّ لوساطة بلاده في الخلاف مع إيران، في الوقت نفسه كشَف فيه السيّد عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي، الذي زار الرياض الأسبوع الماضي عن طلبٍ مُماثلٍ للوساطة مع إيران تُنهي العديد من القضايا الخِلافيّة معها، وعلى رأسِها حرب اليمن.
الحُكومة الإيرانيّة وعلى لسان السيّد علي ربيعي المتحدّث باسمها كشفت عن رسائلٍ سريّةٍ بعثت بها نظيرتها السعوديّة إلى الرئيس حسن روحاني على وجه الخُصوص، طلبًا للحِوار حمَلها رؤساء دول، ولكنّها اشترطت، أيّ إيران، التخلّي عن السريّة للتّجاوب مع هذهِ الرسائل.
الأمير بن سلمان، وبعد ما يقرُب من الخمس سنوات من الحرب في اليمن، بات يُدرك أنّه لن يَخرُج مُنتصرًا فيها، والأهم من ذلك أنّ الخصم الحوثي المدعوم من إيران ومحور المُقاومة استطاع أن يُغيّر قواعد الاشتباك، وينتقل من الدفاع إلى الهُجوم وبشكلٍ فاعلٍ ومُؤثّرٍ، بالصّواريخ الباليستيّة والكروز المُجنّحة والطّائرات المُسيّرة، ويُعطّل ويَعطُب مُنشآت “أرامكو” النفطيّة، وإنتاجها، وجميع مطارات الجنوب، في ظِل حالة شِبه انهيار للدّفاعات السعوديّة الأرضيّة والجويّة رغم عشَرات المِليارات التي جرى إنفاقها لشِراء منظوماتها الأمريكيّة الصُّنع.
جميع رِهانات وليّ العهد السعودي على ضرباتٍ أمريكيّةٍ أو إسرائيليّة لإيران ثَبُت فشَلها، مثلما ثَبُت أيضًا أنّ إدارة الرئيس ترامب استخدمت “الفزّاعة” الإيرانيّة لابتزاز المملكة ماليًّا بشَكلٍ مُباشرٍ أو عبر صفَقات أسلحة ثَبُت فشلها في التصدّي للصّواريخ والطّائرات المُسيّرة اليمنيّة الحوثيّة، التي لم تُكلِّف إلا بعضة آلاف لإنتاجها محَلِّيًّا عبر استيراد التّكنولوجيا الإيرانيّة.
أخطر نتائج الحرب اليمنيّة أنها هزّت هيبة الدولة السعوديّة، وصُورتها في أذهان مُواطنيها أوّلًا، والرأي العام بشقّيه الإسلاميّ والعربيّ، وباتت هذه الدولة تُواجه اتّهامات بارتكاب جرائم حرب، وهي التي كانت حتى سنوات قليلة تُعتبر حمامة سلام، ووسيطًا مِثاليًّا مَقبولًا لإنهاء الحُروب، وحَل الخِلافات في العالمين العربيّ والإسلاميّ.
إذا صحّ أنّ هذا المَيل للتّهدئة والحِوار الذي عبّر عنه الأمير بن سلمان هو خِياره الاستراتيجيّ الجديد، جاء عبر مُراجعات جديّة، فإنّه يَجِب أن يلقى التّجاوب الإيجابيّ من قِبَل إيران وتحالف حركة “أنصار الله” الحوثيّة حقنًا للدّماء وتَقليصًا للخسائر البشريّة والماديّة، وإنقاذًا للسعوديّة من مِصيَدةٍ أوقَعتها فيها السّياسات الابتزازيّة الأمريكيّة والإسرائيليّة.
“رأي اليوم”