لماذا غابت فِلسطين و”صفقة قرنها” عن مُقابلة الأمير محمد بن سلمان الأخيرة؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 11191
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

وهل كان تجنّب الحديث عن الأزمة مع قطر مُتعمّدًا لأسبابٍ غامضة؟ وما هي الرّسالة التي أرادها بعدم توجيه أيّ نقد للرئيس الأسد والابتعاد عن التّصعيد مع أردوغان؟ وكيف نُفسّر التريّث في طرح أسهم أرامكو؟ إليكُم قراءةً مُتعمّقةً

عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
 يعود وليّ العهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان إلى التّصريحات الإعلاميّة المُفصّلة، وتعليقاً على مجموعةٍ من القضايا المحليّة، والدوليّة، بعد غيابٍ يُعتبر لافتاً، ولشخصيّة تُفضّل الأضواء، ومُخاطبة الإعلام بشقّيه المكتوب، والمرئي وذلك مُنذ تولّيه مهامه كوليّ لوليّ العهد، وتقديمه لأوّل مرّة رؤيته الاقتصاديّة للمملكة (2030)، ونفسه للعالم كإصلاحي سمح للمرأة بالقيادة وعصف بالتيّار الصحوي الإسلامي ومُؤسّسة الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر، وقاد حملةً تستهدف مُحاربة الفساد، واستئصاله، جرى فيها اعتقال مسؤولي “الصف الأوّل” بالدولة، وسجنهم الشهير فندق “الريتز كارلتون”.
يعود إذاً الأمير، وقد اختار صحيفة “الشرق الأوسط” السعوديّة الصّادرة في لندن، في حوارٍ أجراه غسان شربل، رئيس التحرير، وبعد مُضي حوالي ثمانية شُهور على مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قُنصليّة بلاده في تركيا، في حادثةٍ كانت قد أثارت الجدل العالمي، واتّهامات كانت قد أشارت إلى تورّط الأمير في اغتياله، وصُدور أوامر شخصيّة منه، وهي الحادثة التي يعتبرها الأمير بن سلمان ذاته في حواره هذا، مُؤلمةً جدًّا، ودعا أيّ طرف يستغل الحادثة سياسيّاً يقصد تركيا، لتقديم الأدلّة إلى المحكمة في المملكة، وبما يُسهِم في تحقيق العدالة، وتوعد بمحاكمة جميع المتهمين.
لا يَرغبُ الأمير الشاب في حواره بالحرب، ويد بلاده كما يقول ممدودةٌ للسّلام، لكنّه وجّه اتّهاماً صريحاً، ومُباشراً لإيران، بمَسؤوليّتها المُباشرة عن الهُجوم الأخير على ناقلتيّ نفط، إحداها لليابان، بل واتّهمها بأنّها تضرب جُهود السّلام، حينما قامت بمُهاجمة النّاقلات خلال تواجد رئيس الوزراء الياباني في طِهران، وفي المشهد الذي رصدته الكاميرات بدا أنّ الأخير يحمل رسالة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرسالة تفاوض، لكن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي كان قد رفض تبادل الرسائل مع شخص مثل ترامب، وهو فيما يبدو قد اضطر رئيس وزراء اليابان إلى وضع الرسالة جانبه، وقد ظهر وهو يجلس فوق طرفها الظاهر لعدسات الكاميرا.
هذا المشهد، اختزله الأمير بن سلمان، بتقييمٍ سلبيٍّ للنظام الإيراني، وهو فيما يبدو لا يزال لا يرغب بالحوار معه، بل وأكّد جازماً يقول مُنتقدون لسياساته، ودون انتظار التّحقيقات والأدلّة على الطريقة الأمريكيّة، التي سبقت حواره، اتّهامه لإيران بوقوفها خلف استهداف النّاقلتين الأخير، وهذا برأي الأمير رد عملي من قبل الإيرانيين لنسف جُهود السلام، وعدم احترام رئيس الوزراء الياباني الذي اعتبره الأمير وسيطاً، حيث تم استهداف ناقلة تعود لليابان كما قال أو تحمل شحنة لها خلال تواجده.
ابتعد الأمير بن سلمان عن لهجة التّهديد والوعيد المُباشرة، التي كان قد استخدمها سابقاً في مُخاطبته خصمه النظام الإيراني، واستخدام عبارات نقل المعركة إلى جبهته الداخليّة، ودعم الأقليّات، وذهب مع إرادة الجمع الدولي، فأوضح أهميّة تأييده لإعادة فرض العُقوبات على إيران، ذاهباً مع “إيمانه” بضرورة اتّخاذ المجتمع الدولي موقفاً حازماً تُجاه الأخيرة، كما تمنّى آمِلاً في أن يختار النظام الإيراني أن يكون دولةً طبيعيّةً، وأن يتوقّف عن نهجه العدائي، كما لم يوضح طريقة التّعامل مع أيّ تهديد لشعبه، وسيادته، ومصالحه الحيويّة، وما هي شكل تلك التّهديدات التي اكتفى بالقول بأنه لن يتردّد في التعامل معها، فما هو التّعامل الذي اتّخذته المملكة مثلاً في وقف هجمات الحوثي على المطارات، أو على الأقل الرّد عليها بشكلٍ يتوازى مع أهميتها كأهداف، تُطرَح التّساؤلات.
لم يعبّر الأمير بن سلمان عن أيّ رغبة حقيقيّة بوقف حرب اليمن التي مر عليها أربعة أعوام، بلاده تدعم الجُهود للتّوصّل إلى حلٍّ سياسيٍّ، لكنّه لن يقبل بوجود مليشيات خارج مُؤسّسات الدولة على حُدودنا، ومليشيا الحوثي التي حمّلها مسؤوليّة الهُجوم على مطار أبها، وكأن الحرب من طرف واحد يقول مُنتقدون، تُقدّم أجندة إيران كما قال على مصالح اليمن وشعبه، وبالتّالي يصر الأمير على الاستمرار بالحرب، لكنّ الأمير أصر وفي حواره مع الصحيفة، أن هدف حربه تلك، ليست تحرير اليمن فحسب، بل تحقيق الرخاء، والازدهار لكُل أبناء اليمن، فيما تتحدّث مُنظّمات حقوقيّة عن تحوّل اليمن السعيد، إلى بلدٍ منكوب، وفاشل، وأعداد القتلى المدنيين في ازدياد، بينما لا يجد المواطن اليمني وجبة واحدة خلال اليوم لتناولها، فأين هو ذلك الرخاء، والاستقرار، تساؤلاتٌ مطروحة من قبل خصومه.
حرِصَ الأمير محمد بن سلمان، أو يحرِص عادةً على الفصل بين القيادة السوريّة، وحلفائها الإيرانيين، حيث لم يُسجّل حتى إجراء الحِوار الأخير على لسان الأمير أيّ انتقاد علني وواضح للرئيس السوري بشار الأسد، وتحميله مسؤوليّة ما جرى في البِلاد، حيث لخّص أهداف بلاده في سورية بالتّالي: “هزيمة تنظيم داعش، منع عودة سيطرة التنظيمات الإرهابيّة، والأهم التعامل مع النفوذ الإيراني المُزعزع لاستقرار سورية، وتحقيق أخيراً الانتقال السياسي باستخدام الوسائل المُتاحة.
علاقاته مع أمريكا، أهميّة استراتيجيّة، ومُمتدّة لأكثر من سبعين عاماً، ولن تتأثّر باعتقاد الأمير من حملات إعلاميّة هُنا، وهُناك، وبلاده تسعى لتوضيح الحقائق، والأفكار المغلوطة لبعض الأطراف في أمريكا، وغيرها، بن سلمان رغم أنه أكّد أنه لن يقبل بأقل من مُعاملة بالمِثل فيما يتعلّق بالدول، بدا حريصاً على علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، وتجنّب الرّد على ما وصفها البعض بالإهانات لبلاده من قبل الرئيس الأمريكي ترامب، فأموال المملكة مُقابل الحماية الأمريكيّة، يقولها ويُجدّدها الأخير وسط ضحكات المُوالين لسياساته، بن سلمان يستمع فقط لما يُفيده من الطّرح المنطقي والموضوعي، والأولويّة كما يقول للمصلحة الوطنيّة.
وعلى عكس الحملات السعوديّة التي تدعو إلى مُقاطعة تركيا، على منصّات التواصل الاجتماعي، وتنبش في التاريخ، كان آخرها واقعة “سفر برلك” في المدينة المنورة، وما تعرّض له العرب من تهجير قسري ومُمنهج على يد الأتراك، اختار الأمير عدم التّصعيد الكلامي، وتحدّث بصفة بلاده خادمة الحرمين الحريصة على كُل علاقاتها قويّةً مع كُل الدول الإسلاميّة بما فيها تركيا، وأكّد على عدم الدخول في مُناكفات تضر مصالح بلده، والعالم الإسلامي، ولعلّه هاجم تركيا مُبطّناً بتأكيده على عدم الالتفات لما يصدر عن البعض لأسبابهم الداخليّة التي لا تخفى على أحد.
غابت أزمة قطر نهائيّاً عن حديث الأمير بن سلمان، ممّا يوحي بأنّ الأمور على حالها، أو ذاهبة أكثر في التأزّم، ولم يصدر أيّ تعليق منه بخُصوص صفقة القرن، لا إيجاباً، أو سلباً، وفي وقتٍ تتحضّر بلاده لحُضور مُؤتمر البحرين الشق الاقتصادي للصّفقة مع الإمارات، كما لم ينفِ بن سلمان ما يتردّد عن دعم بلاده لإتمام الصفقة، وربّما فضّل كما يرصد مراقبون عدم الإدلاء بدلوه، حتى لا يتعرّض لانتقادات شعبيّة عربيّة، في توقيتٍ يُصوّب الجميع سهام نقده للمملكة، ومُشاركتها في الضّغوط المُمارسة على الدول الرافضة لها، وحديث البعض عن تضاربٍ في موقف السعوديّة بشأنها، حيث تتمسّك الأخيرة بحل الدولتين علناً، ويتردّد ما يُخالفه تحت الطاولة.
محليّاً، عصر الترفيه الذي حلّ محل المعروف والمُنكر، يبدو أنه سيستمر بشكلٍ أكبر وأوسع، ولن يتم الاستماع إلى الاعتراضات الشعبيّة هُنا وهُناك أبداً، ودون أيّ تراجع، فالأمير كرّر أنه لن يُضيّع الوقت في مُعالجة جزئيّة التطرّف، وأهم مظاهر مُحاربته وفق رؤية الأمير، مزيد من الانفتاح، أو مزيد من جلب النماذج الغربيّة يقول مُنتقدون، كان آخرها افتتاح ديسكو “حلال” في جدّة، سارعت السلطات إلى التبرّؤ منه، بعد سخط شعبي حاد، وهذا ربّما نوع من أنواع المُقاومة التي تحدّث عنها الأمير في حواره عن تخوّف الكثيرين من رؤيته بسبب حجم التّغيير الذي تحتويه.
يُقِر وليّ العهد السعودي وزير الدفاع في حواره، أن رؤيته الاقتصاديّة، شأنها شأن أيّ خُطط استراتيجيّة، لا بُد أن تخضع للتّعديل، والتّحديث، وفي سياقٍ متّصلٍ آخر، كان قد التزم بالطّرح الأوّلي لأسهم شركة أرامكو، لكن كما قال وفق الظروف المُلائمة، وفي الوقت المُناسب، لكنّه تجنّب تحديد مكان الطّرح، وهو ما يعتبره البعض تراجعاً من الأمير عن طرح الأسهم، ومُماطلة تحت عُنوان كما قال “استكمال خطوات تمهيديّة عدّة استعداداً للطّرح، أو استماعاً منه للنّصائح التي حذّرته من مغبّة طرح الأسهم، وتحويلها إلى شركة غير سعوديّة، ويعتقد البعض ان أسباب هذا التراجع عدم طرح الأسهم في بورصة نيويورك خوفا من تعرضها لاي قرار بالتجميد في المستقبل.
اختيار الأمير بن سلمان لصحيفة “الشرق الأوسط” التي تعود ملكية معظم اسهمها لأسرته، كان اختيارا محسوبا بعناية فائقة، لإطلالته الأولى بعد غياب طويل، لأنه يمكن التحكم بالأسئلة والاجوبة معا، على عكس المقابلات المتلفزة، خاصة مع محطات غربية، خاصة عندما يتعلق الامر بقضايا شائكة مثل الازمة القطرية، وصفقة القرن، والعلاقات مع أمريكا، ولا ننسى تفاصيل اغتيال خاشقجي واعتقال نشطاء ونشيطات حقوق انسان، وكذلك انباء غير مؤكدة عن اعدام علماء دين بارزين.