تقدير أمريكي: اتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي لا يفيد الولايات المتحدة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 489
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

سلطت الزميلة البارزة في مركز "ستيمسون" الأمريكي، إيما أشفورد، الضوء على اتفاق التطبيع المزمع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، واصفة إياه بأنه "لا يفيد الولايات المتحدة".

وذكرت إيما، في تحليل نشره موقع "وورلد بوليتيكس ريفيو" وترجمه "الخليج الجديد"، أن أغرب تحول في سياسة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، منذ توليه منصبه هو تراجعه التام عن العلاقات الأمريكية مع السعودية، بعدما تعهد بجهل المملكة منبوذة، عندما كان مرشحا للرئاسة الأمريكية عام 2020، ووعد بجعل القادة السعوديين يدفعون ثمن مقتل الصحفي، جمال خاشقجي.

وبعد 3 سنوات، وكجزء من حملة لضمان الاعتراف الدبلوماسي السعودي بإسرائيل، تقترب إدارة بايدن، أكثر من أي وقت مضى، من تقديم الضمانات الأمنية، التي تُمنح فقط لأقرب وأهم حلفاء واشنطن، للرياض.

ورغم أن التفاصيل الفعلية لم تُعرف بعد، وربما لم يتم الانتهاء منها، إلا أن الخطوط العريضة للصفقة واضحة، وهي أن تحصل السعودية، مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على ضمانة أمنية رسمية من الولايات المتحدة، إلى جانب المساعدة الفنية في مشروعها النووي المدني.

وتعلق ريما أشفورد على ذلك بالقوة إن الولايات المتحدة لطالما تنازلت عن قيمها في الماضي لتعزيز المصالح الأمنية الملحة، وتجادل الإدارة ومؤيدوها بأن هذه الصفقة هي مجرد حالة من الضرورات الاستراتيجية، ويجادلون بأن ذلك سيساعد على استقرار وتعزيز البيئة الأمنية في الخليج، والأهم من ذلك، سيساعد الولايات المتحدة على اكتساب ميزة على الصين في منطقة حرجة.

ولم يكن مستغربا أن يركز العديد من منتقدي الصفقة على سجل السعودية السيئ في مجال حقوق الإنسان، من قتل وسجن المعارضين إلى ذبح المهاجرين على الحدود مع اليمن بموافقة الدولة.

فيما أشار آخرون إلى الخطر المحتمل المتمثل في أن الصفقة قد تقوض نضال الفلسطينيين من أجل الحقوق وتأسيس الدولة، فضلاً عن التأثير الذي يمكن أن تحدثه على السياسة الداخلية الإسرائيلية من خلال تشجيع الفصائل اليمينية المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية الحالية.

لكن التركيز على سجل حقوق الإنسان في السعودية، على الرغم من أنه قد يكون مروعا، إلا أنه ليس سوى "ذريعة حمراء"، بحسب تعبير إيما أشفورد، مشيرة إلى أن المشكلة الحقيقية في صفقة التطبيع هي أنها "لن تمثل الكثير لتعزيز المصالح الأمريكية، سواء فيما يتعلق بأسعار النفط أو الاستقرار الإقليمي أو حتى المنافسة الجيوسياسية مع الصين".

وأوضحت أن الهدف المعلن للتطبيع بين إسرائيل والدول العربية "مثير للإعجاب وسيكون تحقيقه تاريخياً. لكن الأمر ببساطة لا يستحق الثمن الذي تبدو إدارة بايدن مستعدة لدفعه".

أسعار النفط

وتبدأ إيما أشفورد التوضيح بمسألة النفط، فمنذ فترة طويلة، كان الأساس المنطقي لتدخل الولايات المتحدة في المنطقة هو أن الأهمية الفعلية للخليج العربي بالنسبة لأمن الطاقة الأمريكي آخذة في الانخفاض منذ سنوات.

فنمو إنتاج الطاقة المحلي في الولايات المتحدة لم يلغ تماما سعي واشنطن للحفاظ على أسواق الطاقة العالمية المستقرة؛ ولا يزال ارتفاع أسعار النفط يؤذي الجميع، لكن تزايد الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة بالولايات المتحدة أدى إلى تقليل المخاطر الأمنية في حقبة الحرب الباردة التي دفعت واشنطن إلى جعل السعودية محورًا للاستراتيجية الأمريكية.

وتشير إيما أشفورد إلى أن الولايات المتحدة لديها الآن ما يكفي من إنتاج الطاقة المحلي إذا احتاجت إلى خوض حرب، ولذا فإن الصفقة المقترحة مع السعودية لن تضيف إلى أمن الطاقة العالمي.

 فالأسطول الخامس للبحرية الأمريكية يدافع بالفعل عن الممرات المائية الحيوية داخل وخارج الخليج؛ ولهذا السبب، لم تكن واشنطن بحاجة قط إلى اتفاق أمني رسمي مع الرياض.

وترى إيما أشفورد أن إدارة بايدن تخدع نفسها إذا اعتقدت أن الالتزام الأمني تجاه السعودية سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط للمستهلكين الأمريكيين.

فمن الممكن أن يوافق محمد بن سلمان على زيادة الإنتاج على المدى القصير من منطلق الامتنان، لكن استمرار ذلك غير مضمون، وستكون التأثيرات طويلة المدى على أسعار النفط واضحة.

ويشير تاريخ العلاقات الأمريكية السعودية بقوة إلى أن السعوديين عادة ما يضعون مصالحهم الخاصة في المقام الأول عندما يتعلق الأمر بأسعار النفط.

ولذا تصف إيما أشفورد فكرة أن الضمانة الأمنية الأمريكية ستُبعد السعودية بطريقة أو بأخرى عن الصين بانها "ساذجة إلى أقصى الحدود".

استقرار المنطقة

والحجة الثانية التي ساقها أنصار صفقة التطبيع السعودية الإسرائيلية هي أنها ستساعد على استقرار المنطقة وتسمح للولايات المتحدة بسحب وجودها العسكري، تزامنا مع عملها لتحويل تركيزها الاستراتيجي بشكل متزايد نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

 لكن هذا المنطق "ضعيف"، كما تصفه إيما أشفورد، موضحة أن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية "سيكون إلى حد كبير بمثابة إضفاء الطابع الرسمي على الاتجاهات التي كانت جارية بالفعل، بما في ذلك التعاون السري بين الجانبين بشأن إيران".

وكما هو الحال مع جميع الضمانات الأمنية، ستكون هناك حوافز قوية للولايات المتحدة للحفاظ على قواتها في المنطقة لتعزيز الردع وطمأنة حلفائها، وحوافز قوية بنفس القدر لهؤلاء الحلفاء لإدامة تلك الديناميكية وتحويل عبء دفاعهم إلى الولايات المتحدة.

 ورغم اختيار السعودية وإيران، في الأشهر الأخيرة، المشاركة الدبلوماسية وتطبيع العلاقات بينهما، إلا أنه ليس هناك ما يضمن استمرار فترة الانفراج، ما يعني أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها ذات يوم مدعوة لتقديم الضمانات الأمنية الموعودة فعليا.

النووي والصين

ويشكل الجانب النووي من اتفاق التطبيع المقترح مشكلة أخرى، إذ يطلب السعوديون مساعدة الولايات المتحدة في برنامجهم النووي المدني، بما في ذلك إنشاء مرافق محلية لتخصيب اليورانيوم، لكن مع استمرار بن سلمان في التفكير بالحاجة المحتملة إلى سلاح نووي، فليس هناك الكثير مما يمكن القيام به لطمأنة الدول الإقليمية الأخرى.

وفي هذا السيناريو، فإن مخاطر انتشار الأسلحة النووية بالمنطقة، والتي كانت مرتفعة بالفعل منذ فشل الاتفاق النووي الإيراني، ستتزايد.

أما التحجج بأن الولايات المتحدة يجب أن تضاعف علاقتها مع السعودية إذا أرادت منع نفوذ الصين في الخليج من النمو، فترفضها إيما أشفورد، مشيرة إلى أن الصين قامت ببناء علاقات اقتصادية أقوى بكثير في المنطقة في السنوات الأخيرة، وعلى عكس الولايات المتحدة، فإنها تحافظ على استراتيجية مشاركة إقليمية أكثر توازنا، بما في ذلك علاقات قوية مع كل من إيران ودول الخليج.

وأوضحت أن التوجه الصيني ليس مفاجئا، فأكثر من نصف واردات الطاقة الصينية تأتي من الخليج، لكن الوجود الاقتصادي للصين في المنطقة يتجاوز الآن النفط، ليشمل الطاقة المتجددة ومشاريع البنية التحتية على نطاق أوسع.

ونظراً لمدى اتساع هذه العلاقات الآن، فإن فكرة أن الضمانة الأمنية الأمريكية ستُبعد السعودية بطريقة أو بأخرى عن الصين هي فكرة "ساذجة إلى أقصى الحدود" بحسب إيما أشفورد، التي رجحت أن تتولى الولايات المتحدة مسؤولية الأمن السعودي بينما تظل الصين الشريك الاقتصادي الأكثر أهمية للمملكة.

وأضافت: "ربما لا يعتبر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خبيرًا ذكيًا في السياسة الخارجية، لكنه شخص المشكلة بشكل صحيح في عام 2019 عندما أشار إلى أن الولايات المتحدة تدفع فعليًا مقابل حماية واردات الصين من النفط".

وتابعت الزميلة بمركز "ستيمسون" أن الضمانات الأمنية الأمريكية الأكثر صرامة قد تدفع القادة السعوديين إلى التفكير مرتين قبل التصرف ضد المصالح الأمريكية، لكن ذلك ليس مضمونًا بأي حال من الأحوال.

وترى إيما أشفورد أن اقتراح الصفقة يشير إلى أن صناع السياسات لم يتعلموا الكثير من الحرب الباردة، عندما كان أحد أسوأ الاتجاهات في السياسة الخارجية الأمريكية هو افتراض أن أي فوز للسوفييت كان بالضرورة خسارة للولايات المتحدة.

وكثيراً ما ارتكب صناع القرار السياسي في موسكو نفس الخطأ، وكانت النتيجة في كثير من الأحيان أن الأنظمة الاستبدادية الفاسدة استفادت من سخاء الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في مقابل وعود الصداقة الباهظة.

لكن هذه العلاقات لن تدوم حتماً، وستبدأ حرب المزايدة بين الجانبين من جديد، وسيكون من الحكمة أن يأخذ صناع السياسة في الولايات المتحدة في الاعتبار المخاطر التي ينطوي عليها الأمر ويقرروا ما إذا كان هذا هو الطريق الذي يرغبون حقًا في سلوكه مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع الصين.

وغالبًا ما يشير محللو السياسة الخارجية الأمريكية إلى التوتر بين القيم والمصالح في سلوكها، أو يؤكدون على الحالات النادرة التي تتوافق فيها القيم الأمريكية والمصالح الاستراتيجية، كما فعل فريق بايدن مع الحرب في أوكرانيا.

ومع ذلك، فإن المشكلة في الصفقة الأمريكية السعودية الإسرائيلية المقترحة لا تكمن في أنها تُخضع القيم للمصالح، بل في أنها إحدى تلك الحالات النادرة التي تتوافق فيها القيم والمصالح الأمريكية بشكل وثيق، إذ يشير كلاهما إلى أنها صفقة "سيئة للغاية" بحسب توصيف إيما أشفورد.

فهكذا صفقة لن تحقق فوائد لأسواق النفط العالمية، ولن تفعل الكثير لتعزيز الأمن الإقليمي، وستزيد من ضغوط الانتشار النووي ولن تقلل من وجود الصين في المنطقة.

 

المصدر | إيما أشفورد/وورلد بوليتيكس ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد