سياسة خيالية.. هكذا يتعامل بايدن مع الشرق الأوسط

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 437
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

الخيال مفيد للروح، وفي بعض الأحيان حتى للسياسة الخارجية، ولكن عندما يتعلق الأمر بمنطقة متقلبة ومتشائمة مثل الشرق الأوسط، فإن ضررها قد يكون أعظم من نفعها، سواء بالنسبة للمنطقة أو لمصالح الولايات المتحدة.

هكذا يتحدث تحليل لـ"المركز العربي واشنطن دي سي"، وترجمه "الخليج الجديد"، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي ظل على مدار أكثر من 4 عقود من الخدمة كسيناتور ونائب للرئيس، والآن كرئيس، نجح في تكوين صورة للرجل الواقعي البارع في السياسة الخارجية.

قبل أن يضيف: "يبدو أن واقعية بايدن التي يتبجح بها قد تخلت عنه، فاعتمد مؤخرا بشكل كبير على التمني، والاستعارات الدبلوماسية التي عفا عليها الزمن، والتأكيدات الفارغة، والوعود التي لا معنى لها، حتى باتت سياسة بايدن في الشرق الأوسط تتلخص في كلمة واحدة وهي والخيالية".

وهذا لا يعني، وفق التحليل، أن إدارة بايدن ليس لديها أفكار حول خيارات السياسة، فمن ناحية، تعمل جاهدة على ترسيخ الاتفاق السعودي الإسرائيلي بشأن التطبيع، والذي يمكن أن يكون تحويليًا، إذا حدث، ولكن يبدو أن العمق الفكري للنهج الذي تتبناه الإدارة يستند إلى البنية الهشة للسياسة القديمة، التي تغيرت أسسها إلى حد لا يمكن التعرف عليه في السنوات العشرين الماضية.

القضية الفلسطينية

ولا يوجد مكان يتجلى فيه هذا الأمر أكثر وضوحا من نهج بايدن في التعامل مع الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، حيث يواصل بايدن الترويج لـ"حل الدولتين"، وهو أحد العناصر الأساسية في سياسة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط لعقود من الزمن، باعتباره مفتاح التسوية النهائية للصراع المستمر منذ عقود.

ولكن، هناك مشكلتان مع هذا، الأولى: لم تفعل الإدارة شيئاً على الجبهة الدبلوماسية لتعزيز هذا المفهوم، وليس لديها أي نية واضحة للقيام بذلك.

وقد اعترف بايدن نفسه بذلك في عام 2022 بعد لقائه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيت لحم، حين قال علناً إن "الأرض ليست جاهزة في هذه اللحظة لاستئناف المفاوضات"، بينما أكد مجددًا أيضًا تفضيله لحل الدولتين على أساس صيغ عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، بشأن الحدود ووضع القدس.

ومن خلال القيام بذلك، فشل بايدن في الاعتراف بالمشكلة الثانية الأكثر خطورة، وهي: حقيقة أن حل الدولتين نفسه قد مات على الأرجح، ضحية لسيل من المستوطنات الإسرائيلية الجديدة في الضفة الغربية المحتلة، والخلل السياسي المتزايد والتعنت في كل من إسرائيل وفلسطين.

ويضيف التحليل: "إن الواقع الحالي على الأرض يتلخص في حل الدولة الواحدة بحكم الأمر الواقع، حيث تحكم إسرائيل أغلب أراضي فلسطين التاريخية، وتحتفظ بالسيطرة على الفلسطينيين عن طريق نظام عسكري قمعي في الضفة الغربية، وغارات عقابية عرضية على قطاع غزة".

أما ما إذا كان هذا الأمر قابلاً للتطبيق كسياسة طويلة المدى فهو أمر قابل للنقاش، وكذلك الأمر بالنسبة لمسألة كيف يمكن لإسرائيل أن تظل دولة ديمقراطية، وبالتالي تحتفظ بروابط التعاطف والمبادئ مع الولايات المتحدة في الوقت الذي تهيمن فيه بروتوكولات وسياسات الاحتلال التي تدعمها حركة المستوطنين بشكل متزايد وتحدد الحكم الإسرائيلي للفلسطينيين.

لكن إدارة بايدن لم تفعل الكثير لمعالجة هذه الأسئلة، مفضلة الاعتماد على التحذيرات التي تم التعبير عنها بشكل معتدل ونقاط الحديث المستمرة منذ عقود، والتي تعكس وقتًا أكثر تفاؤلاً وإسرائيل أكثر ليبرالية.

سوريا.. الصراع المنسي

كما سبق أن تحدث بايدن بصرامة بشأن قضايا أخرى أيضًا، معلنا عن "أهداف متطرفة"، لم تفعل الإدارة شيئًا لدعمها.

وتعد سوريا أوضح مثال على ذلك، عندما أخبر بايدن مؤخرًا مجموعة من النشطاء السوريين في حفل لجمع التبرعات في واشنطن، أنه يدعم هدف إزالة الدكتاتور السوري بشار الأسد من السلطة، مؤكدًا وجهة نظره بأن الأسد يجب أن يرحل، وفقًا للناشطين الحاضرين في الحدث.

وبالتالي، يبدو أن موقف بايدن لم يتغير كثيرًا عن موقف إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي دعمت علنًا الإطاحة بالأسد باعتبارها مبدأ أساسيًا في السياسة الأمريكية.

لكن نافذة الفرصة للقيام بذلك قد أغلقت منذ فترة طويلة.

ومن الناحية العملية، لا يولي بايدن أهمية استراتيجية كبيرة لسوريا، ولم يفعل أي شيء تقريبًا لإنهاء الحرب، سواء عن طريق التفاوض أو غير ذلك.

وتحتفظ الولايات المتحدة بنحو 900 جندي في البلاد، وتتركز مهمتهم على منع عودة ظهور ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لكن الحل السياسي الذي لا تزال الإدارة تدعي أنه مفتاح إنهاء الصراع ليس على جدول أعمالها.

ومن المثير للاهتمام أن إدارة بايدن أبدت، في أحسن الأحوال، اعتراضات فاترة على إعادة تأهيل نظام الأسد في الجامعة العربية مؤخراً.

إيران وأجندة الديمقراطية

والقصة مشابهة في إيران، وفق التحليل، الذي يقول إن بايدن نفسه قال إنه يقف إلى جانب المتظاهرين المناهضين للحكومة في البلاد، وأعرب عن دعمه لتغيير النظام، وقال لمؤيديه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: "سنحرر إيران".

والحقيقة هي أن الإدارة لا تتبنى مثل هذه السياسة، وتبدو متضاربة بشأن الاستراتيجية التي ينبغي لها أن تتبناها.

ومع انهيار المفاوضات حول استعادة الاتفاق النووي، يبدو أنه لا يوجد الكثير في طريق سياسة واضحة تجاه إيران على الإطلاق، باستثناء متابعة محادثات غير مباشرة في عمان، تهدف إلى الحد من التوترات وسط الجهود الأمريكية المتعثرة لردع واحتواء الجماعات الإسلامية.

وإذا كان لنا أن نسترشد بالتاريخ، فمن غير المرجح أن تسفر هذه المحادثات عن أي نوع من الالتزام الدائم بالوقف المحتمل للأنشطة التي تثير التوترات، ناهيك عن التقارب الدائم.

ويخلص التحليل إلى أنه لا تزال معضلة السياسة الخارجية الأمريكية المتعلقة بإيران دون حل.

ثم هناك النية المعلنة لمحاسبة السعودية ومصر على انتهاكاتهما المتعددة لحقوق الإنسان، دون تحقيق أي تقدم.

ففي حالة الرياض، يشمل ذلك قتل الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي، والذي تعتقد وكالة المخابرات المركزية أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أمر به.

وخلال حملته الانتخابية في عامي 2019 و2020، وعد بايدن بجعل السعودية "منبوذة"، وأصر على أنه مع وجوده كرئيس، لن يكون هناك "المزيد من الشيكات الفارغة" لـ"الديكتاتور المفضل" للرئيس السابق دونالد ترامب، لنظيره المصري عبد الفتاح السيسي.

ولكن سرعان ما تم التخلي عن كلا التعهدين بمجرد اصطدامهما بالواقع، وبعد بعض التودد والتردد المبكر، وافقت الإدارة الأمريكية على صفقة بيع أسلحة ضخمة للقاهرة بقيمة 2.5 مليار دولار في عام 2022، وسرعان ما عادت إلى العمل كالمعتاد، حيث أشادت بمصر لقيادتها ووافقت على استضافة القاهرة لاجتماع المناخ الدولي (كوب-27).

وتلاشت مخاوف بايدن بشأن سجل حقوق الإنسان في السعودية في الغالب، أمام مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة والأزمة الأوكرانية، وبلغت ذروتها في رحلة مثيرة للجدل إلى المملكة العام الماضي لرأب الصدع، والتي اشتهر خلالها بايدن بتحية بن سلمان بقبضته، وهي خطوة مؤسفة.

الصورة الفوتوغرافية التي أثارت انتقادات شديدة من دوائر حقوق الإنسان، ومع سعي أمريكي لتقارب سعودي إسرائيلي، فإن أي مخاوف بشأن حقوق الإنسان في المملكة، ناهيك عن تعاونها الوثيق مع روسيا، أصبحت فكرة لاحقة.

وتعد مصر والسعودية هي القاعدة أكثر من كونهما الاستثناء، فعلى الرغم من كل حديث لبايدن عن وضع حقوق الإنسان في "مركز سياستنا الخارجية" وخطابه حول الصراع بين الديمقراطية والاستبداد، والذي وضعه في إطاره باعتباره مصدر قلق وجودي للسياسة الخارجية الأمريكية، كانت إدارته هادئة بشكل غريب بشأن هذا الموضوع.

 

تجاوز الفهم

ويعلق التحليل بالقول: "يبدو أن بايدن ومستشاريه في السياسة الخارجية قد تصوروا استراتيجية أكثر جرأة ومباشرة في الشرق الأوسط، مما اتبعوه بالفعل في الممارسة العملية".

وبدلا من ذلك، تبنت الإدارة بشكل أساسي سياسة دونالد ترامب في الشرق الأوسط، واضعة رهاناتها على اتفاقيات ترامب كأساس لاستراتيجية تهدف إلى بناء علاقات اقتصادية وأمنية وعسكرية بين الدول العربية الرائدة وإسرائيل.

ومع تجاهله لبعض الحقائق المهمة، فإن حتى هذا النهج يحمل عناصره الخيالية.

وعلى وجه الخصوص، فإن الاعتقاد الواضح بأن الاقتصادات التدريجية لعقد الصفقات الإقليمية سوف تفعل ما يكفي لتهدئة المظالم الفلسطينية بدلا من تسوية الوضع النهائي هو تكتيك لم ينجح في التسعينيات خلال حملة كلينتون المكثفة للتوصل إلى اتفاق، وأن لن تعمل الآن.

وعلى نحو مماثل، تبدو الآمال في الاندماج الكامل لإسرائيل في المنطقة غير واقعية، وذلك لأن أغلبية كبيرة من المواطنين العرب تعارض الاعتراف الدبلوماسي بالدولة.

لا يعني ذلك أن آراء المواطنين كانت ذات أهمية كبيرة بالنسبة للحكومات العربية، لكنها تؤثر على الأمور العملية مثل التجارة والسياحة، وتحدد مدى احتمال قيام الحكام بتوسيع نطاق العلاقات، على الأقل في العلن.

 

مناورة سعودية

وفي هذا الصدد، يقول التحليل إن "الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق للاعتراف السعودي بإسرائيل تُصنف على أنها مبادرة الإدارة الأمريكية الأكثر جرأة في الشرق الأوسط حتى الآن".

ويضيف: "مثل هذا الاتفاق، الذي كان المقصود منه أن يكون بمثابة قمة السلام العربي الإسرائيلي، من شأنه أن يغير سياسة المنطقة بشكل جذري".

وكجزء من الحزمة، يقال إن الشروط قيد التفاوض تشمل المساعدات الأمريكية للبرنامج النووي المدني للمملكة، وضمانات أمنية أمريكية للرياض، مقابل تنازلات إسرائيلية غير محددة للفلسطينيين.

وكل هذه أمور صعبة، ويبدو من غير المرجح في هذه المرحلة أن تحظى مطالب الرياض بالقبول لدى مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي يجب أن يوافق على أي التزام من هذا القبيل بموجب معاهدة، في حين أنه من غير المتوقع أن تؤيد حكومة إسرائيل اليمينية وغير المنتظمة على نحو متزايد تدابير سياسية أو اقتصادية كبيرة بما يكفي لتهدئة المشاعر السعودية تجاه الفلسطينيين.

وفي الواقع، من المرجح أن يتطلب أي اتفاق سعودي إسرائيلي تخلي الرياض الكامل عن مبادرة السلام العربية التي صاغتها واقترحتها المملكة في عام 2002، الأمر الذي سيتطلب تنازلات إقليمية كبيرة من جانب إسرائيل، وإنشاء عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية، فضلا عن عودة عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين.

ولا يزال هذا الاقتراح، من الناحية الفنية، حجر الأساس لسياسة الرياض تجاه إسرائيل وفلسطين، ويحظى بدعم واسع النطاق، من حيث المبدأ، من قبل الدول العربية الأخرى.

وعلى الرغم من الصعوبات التي ينطوي عليها الأمر، يجب الإشادة بإدارة بايدن على القفزة الخيالية التي تنطوي عليها متابعة صفقة التطبيع مع تجاهل السياسة السعودية.

 

الفشل خيار متوقع

وأمام كل ذلك، يقول التحليل إنه "لا يوجد رئيس أمريكي غريب على النفاق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، ومن المعروف أن بايدن عرضة للزلات والرحلات الخطابية الخيالية".

ويضيف: "لكن في هذه الحالة، فإن التزام بايدن بالصيغ الدبلوماسية التي عفا عليها الزمن والتفكير بالتمني هو أكثر من مجرد كلام سياسي مزدوج أو مبالغة يمكن التسامح معها".

ويتابع: "هو يسبب الارتباك بين الأصدقاء والخصوم في المنطقة، ويضعف أمريكا من خلال جعل واشنطن تبدو عاجزة أو ساذجة".

ويزيد: "إن فشل المبادرات الجريئة، ولكن المحفوفة بالمخاطر، وغير المحتملة، يخلق مظهر عدم الكفاءة ويعزز عدم الثقة في الدبلوماسية الأمريكية، وهذا يضر بمصداقية الولايات المتحدة وقيادتها".

ويختتم: "هذا الأمر سيدفع الحلفاء إلى البحث عن الدعم في أماكن أخرى، كما فعلت السعودية ودول أخرى مع الصين".

 

المصدر | المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد