«وور أون ذا روكس»: «محمد بن سلمان» «لا يصلح» لكنه «يتجمل»
ترجمة وتحرير الخليج الجديد
ظل ولي العهد السعودي الشاب الأمير «محمد بن سلمان» يعطي الانطباع لأشهر عديدة بأنه نوع مختلف جدا من الزعماء السعوديين: أكثر ديناميكية وأكثر حسمًا، والأهم من ذلك كله، أكثر إيمانا بالتغيير من أسلافه.
ولكن ماذا لو أن الحملة الإصلاحية السعودية الكبيرة التي يقودها ستصل إلى حالة من الطمع والتعطل؟ ماذا لو أنه، مثل بعض أسلافه (وحكام مستبدين آخرين في الشرق الأوسط)، سينتهي إلى اختيار طريق التجمّل بدلاً من التغيير العميق لبلده؟ في الأيام والأسابيع والأشهر الأخيرة كانت هناك بعض الإشارات، حتى لو لم تكن حاسمة، بأن الأمر قد يكون كذلك فعلاً.
اعتقال الناشطات السعوديات
كانت إحدى العلامات هي الاعتقالات على مدى الشهرين الماضيين لعدد من الناشطات الرائدات، في الوقت ذاته الذي رفعت فيه السعودية أخيراً الحظر على قيادة النساء.
تزامنا مع ذلك، كانت هناك الكثير من التكهنات بين مراقبي السياسة السعودية حول سبب هذه الخطوة المتناقضة فيما يبدو، وجادل البعض بأنه كانت مصممة لاسترضاء المحافظين في المجتمع السعودي الغاضب من إمكانية وجود المرأة على الطرق السريعة السعودية، وعزاها آخرون إلى رغبة محمد بن سلمان لأن يظهر لهؤلاء الناشطين وبقية المجتمع، بأنه فقط من سيحدد شروط وعمق الإصلاح السعودي.
ويبدو أن معظم الدلائل تشير إلى ترجيح وجهة النظر الأخيرة، وفي الواقع، فإن «محمد بن سلمان» ورغم سعادته بنبرة الاستحيان التي يتلقاها على هذه الإصلاحات، فإنه يخشى من عواقبها أيضا لأنها ربما تشجع فئات أخرى من المجتمع السعوجي على المطالبة بأشياء ربما لا يريحه التنازل عنها بالقدر ذاته، وربما تقود هذه الخطوة الأولى في تمكين المرأة إلى تغييرات أخرى في المجتمع السعودي سيكون أقل استعدادًا للقبول بها أو تحمل المسؤولية عنها.
التراجع عن الإصلاح الاقتصادي
وهناك علامة أخرى تتعلق بحالة الاقتصاد السعودي، ومن المفارقات أنها أخبار جيدة هذه المرة، فوفقا للبيانات الأخيرة، بدأ الاقتصاد السعودي في النمو مرة أخرى، وفي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2018 نما الاقتصاد بنسبة 1.2% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
لكن ما هو مهم هنا هو المصدر الرئيسي لهذا النمو وهو أسعار النفط التي عادت للزيادة، بعد أن كانت استراتيجية «محمد بن سلمان» المركزية في الإصلاحات الاقتصادية هي زيادة أداء القطاعات غير النفطية في الاقتصاد، بما في ذلك القطاع الخاص.
ولم تكن هذه الاستراتيجية سهلة بحال، وهي لا تتطلب إصلاحا عميقا للاقتصاد فحسب، بل تتطلب أيضاً تغييرًا اجتماعيًا وتعليميًا، وحتى سياسي (لا يمكن أن يكون لديك قطاع خاص مزدهر دون الحد من إمكانية الإفلات من العقاب التي تتمتع بها العائلة المالكة السعودية مع قدرتهم على سد الطرق أمام رجال الأعمال أو إيقاف الصفقات التجارية بسبب نزوات شخصية).
لكن مع ارتفاع دخل النفط مرة أخرى، سيكون الإغراء هو القيام بما فعله الزعماء السعوديون السابقون، وتأجيل اتخاذ قرارات صعبة بشأن تنفيذ الإصلاحات ليوم آخر.
لنأخذ «السعودة»، على سبيل المثال، التي تعد أمرا أساسيا للإصلاحات الاقتصادية لولي العهد، وعلى الرغم من أنها في الحقيقة كانت سياسة مطبقة بدرجات متفاوتة من الشدة منذ أن عملت كدبلوماسي في السعودية في منتصف التسعينيات، فلطالما كان هناك صراع من أجل ضمان أن يكون السعوديون ملائمين أو راغبين في القيام بكامل وظائف الاقتصاد، بدلاً من مجرد توقع وظيفة واهية في البيروقراطية.
أتذكر صديقًا كان يدير الوكالة المحلية لأحد شركات صناعات السيارات الغربية المرموقة، بعد أن أجبرته سياسة السعودة على تجربة عمل لمدة أربعة أسابيع لأربعة سعوديين، أخبرني كيف أن ثلاثة من الأربعة فقط حضروا في اليوم الأول، ولم ينتظم على العمل بحلول نهاية الأسبوع الأول إلا واحد فقط.
ولكن الأمور تغيرت كثيرا منذ التسعينات، وأصبح السعوديون أكثر رغبة في العمل فيما يُعتبر وظائف غير تقليدية، ولكن سيظل الأمر صعبًا، بما في ذلك بالنسبة للشركات التي يجب عليها بذل المزيد من الجهد في توظيف أو تدريب السكان المحليين بدلاً من توظيف المغتربين.
لكن مع نمو الاقتصاد والعمال المغتربين الذين يغادرون المملكة الآن، أشار تقرير حديث إلى أن السلطات السعودية تدرس التخلي عن طلب استبدال العمالة المغتربة لصالح السعوديين بنسبة 100% في قطاع التجزئة وتخفيض تلك النسبة إلى 70%% فقط.
وهناك مؤشر آخر أيضا يتعلق بخطط «محمد بن سلمان» لبيع جزء صغير من شركة النفط المملوكة للدولة، أرامكو وهي خطة يبدو أنه تم تأجيلها إلى موعد غير مسمى بسبب المخاوف بشأن مستوى التدقيق الذي سيجلبه مثل هذا البيع على النظام السعودي.
وكان الاكتتاب العام الأولي محوريًا في خطط الأمير لإصلاح وتحسين أداء الاقتصاد غير النفطي، ولكن إذا كان الاقتصاد ينمو مرة أخرى، فإن إغراء التراجع عن هذه الخطوة الجريئة سيزداد.
خيارات أصعب
ومن المسلم به أن هذه المؤشرات لا تزال ضربا من الطحين المتواصل في الطاحونة المستمرة من التكهنات حول مستقبل المملكة العربية السعودية، فالأعمال الداخلية لنظام الحكم في البلاد مبهمة في أحسن الأحوال، حتى لأولئك الذين يعيشون فيها ، لكن التاريخ يدل له دلالة، وهناك تقليد سعودي طويل من اصطدام الطموح الإصلاحي – أو التصنع الإصلاحي - للزعماء بالواقع.
وإذا اتضح أن نظام «محمد بن سلمان» سيتبع ذات المسار الذي اتبعه أسلافه، فسيكون لهذا أثر كبير على السعودية، مع تدهور الأنظمة القديمة للحكم في المنطقة حتى في الدول الغنية نسبياً مثل السعودية، ورغم أن الثروة النفطية المتجددة ربما تؤخر هذا التآكل قليلاً، لكنها لن تحل المشكلة بالكامل لأنها ليست اقتصادية بالأساس.
وكما أشار مراقبون آخرون، فإن المجتمع السعودي لا يتغير بسبب ما يفعله نظام «محمد بن سلمان»، ولكن ولي العهد في الحقيقة هو من يلهث لمواكبة المواطنين السعوديين الذين يطلبون الكثير من حكامهم ومن النظام، ليس فقط من الناحية الاقتصادية بل من الناحية الاجتماعية وحتى السياسية، وعلى عكس أسلافه ، يواجه «محمد بن سلمان» خيارًا أكثر تشددًا إما بالاستجابة لهذه المطالب، أو أن يعرض نفسه للاجتياح من قِبلها.
** الكاتب دبلوماسي أسترالي سابق عمل في السعودية وزميل غير مقيم في معهد لوي للدراسات
المصدر | أنتوني بابالو - وور أون ذا روكس