كيف يمكن لترامب الدفع بالسعودية وإيران إلى امتلاك أسلحة نووية؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1858
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

مايكل كريبون
كاتب ومحلل سياسي شارك في إنشاء مركز ستيمون للأبحاث السياسية.
الانقسام الحزبي للولايات المتحدة فيما يتعلق بانتشار الأسلحة النووية سيؤدي إلى تبني الدول لاستراتيجيات تحوط أكثر تقدم.
ترجمة وتحرير: نون بوست
 منذ عقود مضت، وُضعت عدة تصورات متفائلة ومتشائمة حول انتشار الأسلحة النووية، ولعل خير مرجع للاطلاع عليها هو كتاب سكوت ساغان وكينيث والتز، تحت عنوان "انتشار الأسلحة النووية: نقاش". يعتقد المتفائلون المعارضون مثل "والتز"، أن انتشار الأسلحة النووية سيستمر وفق وتيرة بطيئة وفي حالات محدودة ما دامت تلك القنبلة غير مفيدة جدا في الغزو أو الحرب.
علاوة على ذلك، قلل امتلاك الخصوم للقنبلة النووية من احتمال اندلاع الحروب. وإذا كان المتشائمون بشأن انتشار الأسلحة النووية على حق، حسب قول والتز، فإنه من المحتمل أن تمتلك العديد من الدول الأخرى القنبلة وقد تستخدمها في الحرب.
في الواقع، يرى المتشائمون حيال انتشار القنبلة النووية، على غرار ساغان، أننا محظوظون بتجنب استخدامها في ساحة المعارك حتى الآن. ولكن الحظ الجيد قد ينفد، سواء بسبب قرار قد يتخذه أحد القادة، أو انهيار القيادة والمراقبة، أو عن طريق الصدفة. في المقابل، يعتقد المتشائمون أن حصول عدد أكبر من الدول على السلاح النووي، يحث الباقين على السير على خطاهم، وقد تجري الأمور على نحو سيئ إن تسابق المزيد لامتلاك هذا السلاح.
بالإضافة إلى ذلك، إن امتلاك السلاح النووي لا يحث على اتخاذ الحذر. ففي حين تجنبت الإنسانية اندلاع حرب تقليدية بين الدول المسلحة نوويا حتى الآن، فإنه لم يكن ممكنا تفادي انفجار الصدامات الحدودية، بل يبدو أنه تم تعزيز الحرب غير التقليدية في ظل السلاح النووي، كما هو واضح من سلوك باكستان.
في خضم هذا النقاش، لم يتوقع كل من والتز وساغان، غياب التوافق بين الحزبين الأمريكيين والقيادة حول دبلوماسية عدم انتشار السلاح النووي، أو "عسكرة" إستراتيجيات الجمهوريين للحد من انتشار الأسلحة النووية؛ من خلال الاعتماد على العقوبات، ومعارضة نتائج المفاوضات الأقل مثالية، والتهديد باللجوء للقوة، واستخدامها فعلا.
بات عدم اليقين بشأن مستقبل انتشار السلاح النووي يعتمد على القضايا الإيرانية والكورية الشمالية
على الرغم من أن مسألة حظر الانتشار النووي لازالت من بين الأهداف المشتركة بين الجمهوريين والديمقراطيين، إلا أن ذلك لم يحل دون حدوث فجوات عميقة بين الطرفين فيما يتعلق بالوسائل المستخدمة لتحقيق الغايات المرجوة. ففي الحقيقة، يوجد انقسامات خطيرة حول مدى أهمية الجهود الأمريكية لدعم منظومة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وبناء على ذلك لسائل أن يسأل: إلى ماذا ترمي مختلف التصورات المتفائلة والمتشائمة بشأن انتشار الأسلحة النووية؟
مما لا شك فيه، ليست الانقسامات الداخلية بالمعطى الجديد بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فتاريخها يعود إلى سنة 1999 عندما رفض الجمهوريون الإقرار بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في مجلس الشيوخ، إن لم يكن قبل ذلك. وفي وقت لاحق، تفاقمت هذه الانقسامات وكانت واضحة حول الاتفاق النووي الإيراني. فقد تفاجأ المؤيدون لهذه الصفقة بالنجاح الذي حققته إدارة أوباما والمفاوضون المعاونون لها، بينما لا يخفي المعارضون قلقهم بشأن ما فشلت في تحقيقه. وبين صفوف الجمهوريين في كابيتول هيل، كان دعم الصفقة النووية مع إيران شبه غائب، ويبدو أن دونالد ترامب عازم على نسفه.
في الوقت الراهن، بات عدم اليقين بشأن مستقبل انتشار السلاح النووي يعتمد على القضايا الإيرانية والكورية الشمالية. فمنذ التسعينيات، تنازلت الدول ذات القدرة النووية مثل الأرجنتين والبرازيل عن طموحاتها في امتلاك النووي، بينما تنازلت دول أخرى طوعا عن مخزونها من الأسلحة النووية، على غرار جنوب أفريقيا، أو ما ورثته من أسلحة مثل أوكرانيا وروسيا البيضاء وكازاخستان.
كانت هناك عوامل متنوعة وراء هذه الإنجازات غير العادية، فضلا عن وجود قاسم مشترك مهم؛ فقد تخلت كل هذه الدول عن السلاح النووي دون استخدام تكتيكات القوة المسلحة أو استخدام القوة. وخلال تلك الفترة، كانت دبلوماسية عدم انتشار الأسلحة النووية ذات أهمية قصوى.
كانت حرب إدارة بوش الوقائية ضد برنامج صدام حسين النووي المفترض، حدثًا فاصلاً من نواحي عديدة، لعل أبرزها أنها كانت من مؤشرات تبني الحزب الجمهوري لمقاربة عسكرية، حول انتشار السلاح النووي، ومحاكاة نظرية "الردع" الإسرائيلية
لقد تزامنت هذه الإنجازات الدبلوماسية مع فترة التفاوض على معاهدات هامة تهدف إلى الحد من عدد القوات الإستراتيجية الهجومية للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. وقد عكس تمديد معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية إلى أجل غير مسمى سنة 1995 هذه الإنجازات المشتركة، فضلاً عن النتيجة المتوقعة لمفاوضات معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. ولم تكن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في وضع أقوى مما كانت عليه عند تمديدها إلى أجل غير مسمى.
لكن خلال سنة 1998، بدأ المد يغير اتجاهه نحو التجارب النووية في شبه القارة الهندية، حيث رفض مجلس الشيوخ معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في السنة التالية. ثم جدت أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، تلتها قرارات إدارة جورج بوش القاضية بعدم انتظار تكوّن التهديدات القاتلة في المناطق البعيدة، وتوسيع حلف الناتو إلى حدود روسيا، والانسحاب من معاهدة الحد من أنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية.
إلى جانب ردة فعل الكرملين، وضعت هذه القرارات واشنطن وموسكو على مسار التصادم الذي أصبح واضحا الآن. ولم تكن معاهدة حظر الانتشار النووي في مأمن من تداعيات هذه الديناميات، لأن مصيرها كان مرتبطا دائما بمستوى العلاقات بين واشنطن وموسكو، ولا سيما مدى استعداد كليهما لخفض رصيدهما من الأسلحة النووية.
كانت حرب إدارة بوش الوقائية ضد برنامج صدام حسين النووي المفترض، حدثًا فاصلاً من نواحي عديدة، لعل أبرزها أنها كانت من مؤشرات تبني الحزب الجمهوري لمقاربة عسكرية، حول انتشار السلاح النووي، ومحاكاة نظرية "الردع" الإسرائيلية. وحتى الآن، لا تزال مقاربة إسرائيل الضيقة ناجحة، من خلال توجيه الضربات الجوية ضد المنشآت النووية دون شن حروب برية وتغيير الأنظمة. في المقابل، فشلت مقاربة بوش الشاملة بشكل كارثي.
فشل مؤيدو معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي تم التفاوض بشأنها مؤخرا، في المصادقة على البروتوكول الإضافي الذي يكرس معايير تفتيش أكثر صرامة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية
في وقت لاحق، بدا الانقسامات الأمريكية الحزبية حول أفضل السبل للتعامل مع "الفاعلين السيئين" جلية للعيان عندما اختارت إدارة أوباما اعتماد القوة ضد الزعيم الليبي معمر القذافي. لكن التدخل في ليبيا من خلال الضربات الجوية، وتغيير النظام، دون نشر القوات البرية، عرّض أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون لانتقادات الجمهوريين في الكابيتول هيل، لما تسببوا فيه من فوضى في ليبيا والضحايا الذين سقطوا في القنصلية الأمريكية في بنغازي. كما تسببت الصفقة الإيرانية في حدوث انقسامات حزبية حادة، حيث تابعت إدارة أوباما غرائزها الطبيعية نحو ممارسة الدبلوماسية بدلا من استخدام الحلول العسكرية لمنع انتشار السلاح النووي.
من ناحية أخرى، كان للانقسامات الأمريكية الحزبية تأثيرات أقل على التجمعات الدبلوماسية الرئيسية؛ مثل مؤتمرات مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ودعم منظومة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. فعلى سبيل المثال، عمل الجمهوريون في كابيتول هيل على تخفيض تمويل المنظمة التي أنشئت في فيينا لمراقبة التجارب النووية؛ في انتظار دخول معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية حيز التنفيذ.
من جهتها، وعدت إدارة ترامب بعدم تغيير منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. وفي سياق مماثل، فشل مؤيدو معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي تم التفاوض بشأنها مؤخرا، في المصادقة على البروتوكول الإضافي الذي يكرس معايير تفتيش أكثر صرامة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
في الوقت الحالي، يشعر كل من "أصحاب" الأسلحة النووية و"المحرومين من تملكها"، أن لديهم أسبابا كافية لمقاضاة بعضهم البعض بسبب عدم دعم معاهدة عدم الانتشار. كما تقوم الدول المسلحة نوويا، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا والصين، بإعادة رسم معالم قوتها النووية وتحديثها.
من المرجح أن تؤدي الانقسامات الحزبية في واشنطن، وازدراء الجمهوريين الواضح لدبلوماسية عدم انتشار الأسلحة النووية، وتبنيهم لمبدأ استخدام القوة، إلى اتخاذ الدول للمزيد من إستراتيجيات التحوط التي تأخذ بعين الاعتبار خياراتها النووية.
بناء على ذلك، يبدو أن الحد من القوة النووية للولايات المتحدة وروسيا أمر بعيد المنال؛ لأن الكرملين يتصرف بشكل سيئ مع جيرانه، بالإضافة إلى أن قائمة الانتهاكات الروسية للمعاهدة في ازدياد، فيما يجري تطوير وتوسيع توظيف أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية. وفي الأثناء، يستثمر المراقبون النوويون والمهتمون بإلغاء استخدام السلاح النووي الوقت والجهد لإنشاء معاهدة تحظر الأسلحة النووية، بدلا من الاصطفاف خلف معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وتجدر الإشارة إلى أن التوترات قد تفاقمت خلال المؤتمرات الاستعراضية لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومن المحتمل أن تكون هذه الأحداث واضحةً بشكل خاص في مؤتمر الاستعراض لسنة 2020، الذي يصادف الذكرى السنوية الخمسين لبداية تطبيق المعاهدة.
من المرجح أن تؤدي الانقسامات الحزبية في واشنطن، وازدراء الجمهوريين الواضح لدبلوماسية عدم انتشار الأسلحة النووية، وتبنيهم لمبدأ استخدام القوة، إلى اتخاذ الدول للمزيد من إستراتيجيات التحوط التي تأخذ بعين الاعتبار خياراتها النووية.
في الماضي، التزم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية بإستراتيجيات التحوط لأن واشنطن حافظت على تحالفات قوية، ولم تكن سياسات الأمن القومي وعدم انتشار الأسلحة النووية قابلة للتغيير بتولي إدارة جديدة السلطة. وفي الوقت الراهن، من المحتمل أن يتبنى أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها، بالإضافة إلى الدول الموجودة في مرمى إستراتيجيات مكافحة انتشار الأسلحة النووية لإدارة ترامب، إستراتيجيات تحوط أكثر وضوحا.
من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي، ستعمل إدارة ترامب على تحفيز طهران لاتخاذ قرار بشكل أسرع فيما يتعلق بامتلاك رادع نووي لدرء التهديدات من قبل واشنطن.
في حال كانت نتيجة ممارسات إدارة ترامب مع كل من إيران وكوريا الشمالية سلبية، فعلى الأغلب ستجنحان نحو قلب الموازين وتكريس التصور المتشائم بشأن انتشار الأسلحة النووية. ومع ذلك، ستستغرق أسوأ السيناريوهات بعض الوقت لتبلغ مراحل متقدمة، في حين أنها ليست حتمية. وإذا استغنى ترامب عن فكرة فرض قيود فعلية على النشاطات النووية التي تقوم بها إيران، ستعتمد الكثير من الأمور على ردود الفعل التي ستتبناها القيادة الإيرانية، التي تعتبر بعيدة كل البعد عن كونها متوافقة بشأن هذه المسألة والعديد من المسائل الأخرى.
حيال هذا الشأن، أفاد المرشدون الإيرانيون أن الأسلحة النووية غير أخلاقية، وأنهم لا يطمعون للتوصل إلى صنع قنبلة نووية. ويرى المتشائمون بشأن الانتشار النووي أن هذه التصريحات غير مقنعة إلى حد كبير. ومن هذا المنظور، عندما يقوم القادة الأجانب بالاستخفاف بالقضايا المتعلقة بالانتشار النووي، لا بد أن تأخذ تصريحاتهم على المستوى الظاهري للكلام. ففي الغالب، عندما يشكك القادة الغربيون في النجاعة التي تكتسيها الأسلحة النووية، فإنهم بذلك يمارسون فن الخداع. وفي حال كانت تكهنات والتز صائبة، ستواصل إيران مشاريعها النووية عن قصد حتى وإن انسحب ترامب من الاتفاق النووي.
في الأثناء، يمكن لطهران أن تخلق شرخا بين واشنطن وشركائها في المفاوضات، مع الحرص على تفادي دفع برنامج السلاح النووي السعودي إلى الأمام. في المقابل، ومن خلال الانسحاب من الاتفاق النووي، ستعمل إدارة ترامب على تحفيز طهران لاتخاذ قرار بشكل أسرع فيما يتعلق بامتلاك رادع نووي لدرء التهديدات من قبل واشنطن.
باتت التأثيرات السلبية المحتملة لتدمير الاتفاق النووي الإيراني على آفاق المفاوضات حول البرنامج النووي لكوريا الشمالية واضحة للعيان على نطاق واسع. والجدير بالذكر أن آفاق الاتفاق الكوري غالبا ما تعتبر قاتمة في جميع المناسبات. على أي حال، يبدو أن نزع الأسلحة النووية أمر بعيد المنال، لكن ذلك لا ينفي إمكانية التوصل إلى بعض النتائج التي قد تحد من القدرات النووية لبيونغ يانغ، وهو ما سيتحقق فقط في حال كانت إدارة ترامب مستعدة لقبول نتائج أقل من مثالية ولا ترقى لمستوى الاتفاق الجديد بالنسبة لها. ومع ذلك، لم يظهر دونالد ترامب، مؤلف كتاب "فن الاتفاق"، أي قدر من الكفاءة أو الرغبة في عقد صفقة مع كوريا الشمالية.
من المثير للاهتمام أن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لم تتضمن قاعدة حول استخدام الأسلحة النووية في غير مناطق القتال، لكنها تعد أمرا أساسيا بلا شك ضمن اتفاق الشراكة بين من يملكون السلاح النووي وبين من لا يمتلكونه.
في حال انتهت هذه المحادثات على نحو سيئ، أو في حال لم تنطلق من الأساس، يتمثل السؤال الأهم بخصوص سياسة عدم انتشار الأسلحة النووية الأمريكية ونظام معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية فيما إذا كانت إدارة ترامب ستختار الضربات الوقائية ضد الترسانة النووية لكوريا الشمالية. ويمكن القول إن هذه الضربات ستكون ذات وقع كبير ومن المرجح أن تؤدي إلى حرب أخرى في شبه الجزيرة الكورية مع عواقب واسعة النطاق.
عقب تجلي معالم القدرات النووية السوفيتية والصينية للوهلة الأولى، تواتر حديث يفتقر للجدية حول انتهاج الحرب الوقائية والضربات الاستباقية لتحييد هذه التهديدات. لكن سرعان ما خفتت الأصوات المطالبة بهذه التحركات وتقهقرت أمام حقيقة العجز عن تحديد جميع الأهداف وإصابتها بشكل ناجح، الأمر الذي من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة وحلفائها عرضة للأعمال الانتقامية. في كلتا الحالتين، كان انتهاج سياسة الردع خيارا أكثر حكمة من تبني الاستراتيجية الاستباقية. ونظرا لأن كوريا الشمالية ليست على قدر من الأهمية مثل الصين أو الاتحاد السوفياتي، لم يضمحل الدافع لتنفيذ هجمات وقائية بعد. في المقابل، سارع كيم جونغ أون إلى تسريع التجارب النووية والصاروخية الخاصة ببلاده، وذلك في خطوة لإبراز تبعات الخطوات الاستباقية.
بناء على ذلك، يمكن للضربات الاستباقية الأمريكية ضد كوريا الشمالية أن تؤدي لظهور "سحابة عيش الغراب" في الحرب للمرة الأولى منذ سنة 1945. ومن المثير للاهتمام أن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لم تتضمن قاعدة حول استخدام الأسلحة النووية في غير مناطق القتال، لكنها تعد أمرا أساسيا بلا شك ضمن اتفاق الشراكة بين من يملكون السلاح النووي وبين من لا يمتلكونه.
في حال تم نقض هذا المعيار نتيجة لممارسات الولايات المتحدة الأمريكية الاستباقية المتعلقة بمكافحة انتشار الأسلحة النووية، على غرار الحرب غير المبررة للإطاحة بصدام حسين استنادا إلى تبريرات علنية كاذبة، سيضعف نظام معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية بشكل كبير. ومن المرجح أن تعيد الدول المسلحة نوويا تقييم متطلبات الردع الخاصة بها، فضلا عن إمكانية استئناف بعضها للتجارب النووية. فضلا عن ذلك، قد تعيد الدول التي تنظر في خياراتها النووية تقييم وتسريع إجراءات التحوط الخاصة بها. عموما، قد تنجو معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية من هذه الصدمات، لكنها من المحتمل أن تصبح أداة جوفاء (مجرد حبر على ورق).
لا يزال الحكم بشأن مستقبل انتشار الأسلحة غير واضح، لأن المسار الذي تنتهجه الدول سيستغرق وقتا حتى تتجلى معالمه
في الحقيقة، توضح الحالتان الإيرانية والكورية الشمالية مدى تغير التخمينات التقليدية بشأن الانتشار النووي في صفوف المتفائلين والمتشائمين على حد السواء. والجدير بالذكر أن المتفائلين بشأن هذه السياسة أصبحوا نادري الوجود خاصة مع وفاة والتز. في السابق، كان من المفترض أن نتائج الانتشار النووي ستنبثق على خلفية العوامل الداخلية والإقليمية، لكن عاملا خارجيا غير هذه الحسابات في الوقت الحالي. ويكمن هذا العامل في سلوك واشنطن الذي يفتقر للاتزان بسبب الانقسامات الحزبية، ناهيك عن تجاهل الجمهوريين لهذا الأمر في ظل نتائج دبلوماسية يمكن وصفها بأنها أقل من مثالية، فضلا عن تبنيهم لأساليب متصلبة وأكثر صرامة لمواجهة انتشار الأسلحة النووية. وعندما يتعلق الأمر بنتائج انتشار هذه الأسلحة، لا تزال شبكات المشتريات السرية والديناميات الإقليمية والخصال القيادية مهمة إلى حد كبير، لكن ممارسات واشنطن أصبحت عاملا محوريا بشكل أكبر من ذي قبل.
من هذا المنطلق، يبرز تساؤل جلي حول تبعات هذه الأمور على مستقبل انتشار الأسلحة النووية. فعندما لا يستثمر زعيم الدفاع عن نظام معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية جهده في إجراء تحويرات على مستوى بنودها، وعندما تقوم هذه المعاهدة بازدراء الدبلوماسية لصالح الاستراتيجيات الإجبارية، سيتحقق أمران إما منع انتشار الأسلحة النووية أو التعجيل به. وعلى امتداد العقدين الماضيين ومنذ ظهور كتاب والتز وساغان، لم يتمكن المتشائمون من الفوز في النقاش عبر تبني هذا الموقف.
حتى الآن، اتخذت أسوأ السيناريوهات نسقا بطيئا ولم تؤدي إلى سلاسل تعاقبية متعلقة بانتشار الأسلحة النووية. ولكن ذلك لا ينفي أنه لم يقع إثبات رأي المتفائلين بشأن هذا الانتشار. ويتضح ذلك من خلال سلسلة البرامج الوطنية لبناء محطات الطاقة النووية، بما في ذلك المشاريع الرامية لإنشاء محطات مماثلة في الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط. عموما، لا يزال الحكم بشأن مستقبل انتشار الأسلحة غير واضح، لأن المسار الذي تنتهجه الدول سيستغرق وقتا حتى تتجلى معالمه. وفي كلتا الحالتين، سواء تم ردع هذه الدول أو تسريع وتيرة خططها النووية، من المرجح أن تجسد إجراءات التحوط على أرض الواقع أكثر من ذي قبل.
في هذا السياق، يمكن أن تتخذ استراتيجيات التحوط أشكالا متنوعة. ويمكن القول إن الدول التي تخلت عن امتلاك القنبلة النووية، تحظى بالعديد من الخيارات لتلافي الانقسامات الحزبية والتوترات في واشنطن التي تتعلق بالمساعي الدبلوماسية حول عدم انتشار الأسلحة النووية. يمكن لحلفاء الولايات المتحدة الذين يواجهون مصاعب في هذا الصدد تقوية روابطهم مع الحلفاء الآخرين والتوصل إلى مبادرات دبلوماسية يمكن اعتمادها مع الدول الكبرى، وذلك بالتزامن مع الاستثمار في القدرات العسكرية التقليدية بشكل أكبر. عموما، يستغرق التوصل إلى صنع قنبلة نووية الكثير من الوقت، مما يعكس تراكم القرارات الحكومية والعقبات التي يضعها الآخرون في طريقهم.
من الجلي في خضم هذا المنعطف الخطير أن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية تعاني من حالة اضمحلال
مع ذلك، وقع التوصل إلى حكم بشأن وضع الممارسات الدبلوماسية التي تنتهجها الولايات المتحدة بخصوص انتشار الأسلحة النووية. وفي هذا الصدد، كان رفض مجلس الشيوخ لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية ضربة قاضية للقيادة الأمريكية، التي لم تتأثر بإعلان الرئيس باراك أوباما عن ولائه لعالم خال من الأسلحة النووية. وفي نهاية المطاف، كانت قدرة أوباما على تحقيق بعض التغييرات عن طريق خفض القوة النووية محدودة، في حين تغافل عن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية وتركها في طي النسيان.
ستتلقى الإدارة الأمريكية المختصة في منع انتشار الأسلحة النووية ضربة قاسية أخرى في حال انسحاب الرئيس دونالد ترامب من اتفاق يقيد البرنامج النووي الإيراني لمدة 10 سنوات أو أكثر. وقد تحقق ذلك بفضل الجهود الدبلوماسية لإدارة أوباما بمساعدة الدول الأخرى المسلحة نوويا، بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي.
تعد النتائج المترتبة عن وضع الإدارات الجمهورية لمقاربة أمريكية أكثر صرامة بخصوص انتشار الأسلحة النووية، فضلا عن تدهور العلاقات الروسية الأمريكية وحالة الجمود التي تسود المفاوضات متعددة الأطراف، سلبية بشكل قطعي. نتيجة لذلك، ما فتئت الفجوة بين الدول التي تمتلك القنبلة النووية وتلك التي تدعو إلى الامتناع وإلغاء البرامج النووية، تتسع. ومع تعمق هذا الشرخ، تصبح المعاهدة أضعف. ويبرز ذلك جليا من خلال عدم استعداد الدول التي تمتلك السلاح النووي، فضلا عن الدول الممتنعة عن الالتزام بالمعاهدة، لاتخاذ خطوات تهدف إلى تعزيز أهداف ومقاصد معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
في واقع الأمر، تنعكس الانقسامات المثيرة للقلق على المفاوضات الجارية حول إنشاء معاهدة الحظر بسبب الدول التي تطالب بإلغاء التسلح النووي. كما يعزى السبب وراء ذلك إلى عدم الاهتمام، بشكل عام، في أوساط الدول المسلحة نوويا بالوفاء بوعودهم التي قطعوها في مؤتمرات مراجعة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي دامت لخمس سنوات.
سيستغرق الأمر بعض الوقت لتتضح نتائج هذه التوجهات التي تتعلق بانتشار الأسلحة النووية، وما إذا كانت هذه الفترة التي تتسم بارتياب عميق وشعور بالرهبة إزاء قرارات إدارة ترامب ستؤدي إلى تزايد عدد الباحثين عن امتلاك القنابل النووية. ومن الجلي في خضم هذا المنعطف الخطير أن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية تعاني من حالة اضمحلال، وأن الانقسام الحزبي للولايات المتحدة فيما يتعلق بانتشار الأسلحة النووية سيؤدي إلى تبني الدول لاستراتيجيات تحوط أكثر تقدم.

المصدر: ناشيونال إنترست