السعودية والإمارات: سباق المتهوّرين

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1136
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ما حصل لرئيس الوزراء المصري السابق، الفريق أحمد شفيق، في الإمارات قبل أيام، يشبه كثيراً ما حصل لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، في السعودية قبل أسابيع، مع بعض الفروق البسيطة في التفاصيل وفي شخصية الرجلين: احتجاز في ظروف غامضة، لأسباب غير معلنة، ثم «إفراج» وفق شروط أكثر غموضا مع الإبقاء على أفراد العائلة رهائن تحسبا لتطورات الساعات اللاحقة.

لن يغيّر كثيرا من الموضوع تشديد شفيق لفضائية مصرية على أنه لم يكن محتجزا، لأنه، في نهاية المطاف، لا يحتاج ليُختطف كطفل من أمام المدرسة ثم طلب الخاطفون فدية من والديه.

الموضوع في عمقه ليس الحريري وشفيق، بل السعودية والإمارات.

وبعبارة أدق، مَن يحكم في السعودية ومَن يحكم في الإمارات ويختار الإقدام على هذه المغامرات. والسؤال الأهم هو: مَن يتعلم مِن الآخر؟

انتشر كثيرا في الإعلام العربي والغربي أن رأس الحربة في كل هذه المغامرات التي تكابدها المنطقة العربية هو وليّ عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، منذ أن اختار لبلاده أدواراً تخريبية في الكثير من الدول، بدءاً من تونس وليس انتهاءً بقطر.

وتردد في الإعلام ذاته أنه هو ذاته الذي سوَّق للأمريكيين رجل السعودية الجديد، محمد بن سلمان، فحوَّله من شاب مغمور بلا خبرة، إلى «بطل» يتكرر صدى اسمه في العالم يوميا، ويشيد به كبار الكتّاب والمعلّقين (آخرهم توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» بعد ولائم شواء في قصور الرياض).

غير أن واقعة أحمد شفيق تدفع إلى التساؤل عن هذا الغياب الفادح للذكاء السياسي وللقدرة على النظر بعيداً. كان يُفترض أن تكون ورطة محمد بن سلمان أثناء احتجازه الحريري، ثم الإفراج عنه بضغوط أمريكية وفرنسية، درسا وعبرة لمن افتعل الأزمة ولجيرانه ولكل من يخطط أو يحلم بالعمل في السياسة.

بيد أن لا شيء من ذاك حدث، فكرر حكام الإمارات الحماقة ذاتها مع شفيق، بالعناد ذاته. فكانت النتيجة أن تحوَّل شفيق من أحد رموز النظام المصري البائد والدولة العميقة الفاشلة والفاسدة، إلى «شهيد» الحرية السياسية، ورمز للتغيير في مصر. تماما مثلما أصبح الحريري رمزاً وطنيا وحَّدَ اللبنانيين المختلفين والمنقسمين منذ نشأة دولتهم المستقلة.

اعتُقل شفيق في الإمارات، وزاره رجال أمن إماراتيون وقضوا وقتا في بيته (عندما اتصلت صحيفة «نيويورك تايمز» للحديث إليه، أبلغتها ابنته بوجود رجال أمن إماراتيين في البيت). ثم رُحِّل إلى مصر في ظروف غير لائقة وبقيت عائلته رهينة في الإمارات، تماما مثل الحريري.

كان الهدف من تلك المعاملة، إلى أن يثبت العكس، ثني شفيق عن الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر. ولا يمكن قراءة هذه المحاولة إلا بأنها تندرج ضمن الخوف على الرئيس عبد الفتاح السيسي والحرص على عدم المقامرة بأي فرصة من فرص فوزه بتلك الانتخابات.

إلى هذه الدرجة ضاقت صدور الإماراتيين، ومعهم السعوديون، إلا من السيسي رئيسا لمصر بسكانها المئة مليون. حتى شفيق، غير الإسلامي وغير الغريب عن «المؤسسة» والذي يشبه السيسي كثيراً، ليس مقبولا ولا يؤتمن جانبه. وإلى هذه الدرجة مصر مهمة للدولتين ولا يجوز «التفريط» فيها؟ فمصر بقيادة السيسي، وفي الظروف الاقتصادية والأمنية الحالكة، ضرورية كسوق استهلاكية ضخمة ومضمونة، ودولة، بحكم ظروفها وحجمها، يكسب مَن يساعدها على تجاوز متاعبها احترام وثقة شعبها والآخرين. لكن مصر أيضا حليف استراتيجي يعزز مواقف أبو ظبي والرياض إقليميا ودوليا، ويدعم سياساتهما الخارجية الرعناء بتبعية ومن دون أسئلة كثيرة.

غير أن محاولة ثني شفيق عن الترشح علامة أخرى على إفلاس سياسي وقصر نظر استراتيجي. فترشح السيسي من دون منافسين جديرين بالاحترام، وفي انتخابات فاترة محسومة النتائج سلفا، يضعف المرشح السيسي أكثر مما يخدمه، بل مهين له وللعملية الانتخابية وينزع عنها أدنى شروط المنافسة، وبالتالي المصداقية والديمقراطية. وأكثر من ذلك يزيد من حجم ما يعيشه المصريون من يأس وإحباط، ويشجع الخصوم بكل أطيافهم، حتى الأكثر عنفا وتشددا، على ارتكاب المزيد مما تقترف أيديهم.

حتى وإن تأكد أن شفيق سيهدد فرص فوز السيسي بالانتخابات، كما فعل مع محمد مرسي في انتخابات 2012 (أكثر من 12 مليون صوت)، فهو يبقى قابلا للترويض وجاهزاً للتفاوض وعقد الصفقات السياسية بحكم المدرسة التي ينتمي إليها. أما محاولة إبعاده بهذه الطريقة الغليظة فوصفة مثالية لرفع شعبيته بين الناس وتعزيز ثقته في نفسه، وتزيده إيمانا بأنه الأحق بما يحاولون منعه منه.

من المستبعد أن تكون هذه المعطيات غابت عن الذين تصرفوا بالطريقة المذكورة إزاء شفيق، لأنها من أبجديات المناورات السياسية والانتخابية في المنطقة العربية وغير العربية. يبدو أن الأمر يتعلق أكثر بعمى سياسي وتهور يتماهى مع ذلك الذي أدى في الرياض إلى احتجاز الحريري. تماه يجعل سؤال «مَن يقود مَن» في مسلسل الحماقات هذا أكثر من مشروع، ويقود إلى الاعتقاد بأنك أمام سباق للمتهورين.

بقلم : توفيق رباحي