التعاون الجدي العلني وبلا قيود للدول السنية مع اسرائيل لن يتاح الا اذا ما وقع اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1580
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بقلم: اللواء احتياط يعقوب عميدرور
تسأل الكثير من دول العالم بعجب وتنتظر بتقدير الى العلاقات المتطورة بين دولة اسرائيل وبين الدول السنية الاكثر اهمية في المجال شبكة العلاقات العلنية بين اسرائيل ومصر والاردن اللتين توجد لاسرائيل معهما علاقات دبلوماسية كاملة وكذا العلاقات غير الرسمية بين اسرائيل والسعودية والامارات في الخليج.
يبدو أنه توجد ثلاثة دوافع لهذا التغيير: الاول، هذه دول سُنية تخاف من التعاظم المتصاعد لايران، التي تقود الكتلة الشيعية في المجال وتهدد سلامة وأمن الدول السنية. نزاع ديني عتيق قائم بين الاقلية الشيعية والاغلبية السنية، اقلية تتمتع بوجود قيادة واحدة لها، مستعدة لان تستثمر كل ما يلزم لتغير وضع الشيعة في الشرق الاوسط من اساسه.
هذه القيادة التي تجلس في طهران تتصدر جهدا مخططا ومركزا اساسه تحرير الشيعة من عبء السنة في اليمن، في البحرين وفي السعودية، وحماية الحكم او الصدارة الشيعية في العراق، في سوريا وفي لبنان. والغاية هي خلق تواصل شيعي من طهران عبر بغداد ودمشق وانتهاء ببيروت.
وفي نفس الوقت تحاول طهران المس بالهيمنة السنية في الجانب العربي من الخليج الذي بين شبه الجزيرة العربية وايران، المسمى الخليج الفارسي او الخليج العربي. في الجانب العربي من الخليج تقع ضمن امور اخرى امارات الخليج: السعودية، ذات الاقلية الشيعية في مناطق النفط؛ البحرين – التي شهدت محاولة انقلاب شيعية؛ واليمن، حيث تقاتل السعودية الى جانب الاغلبية السنية ضد الاقلية الحوثية، المرتبطة بايران. كما ان للصراع الشيعي السني لون وطني، إذ لا يمكن تجاهل أن هذا جهد ايراني لتصعيد النفوذ في الدول التي هي كلها عربية. وصدى لهذا الصراع القومي يمكن أن نجده في الخلافات الشيعية الداخلية ولا سيما في العراق، حيث تقع مدينة النجف، التي كانت ذات مرة المدينة الاهم للشيعة وانتزعت منها اليوم صدارتها لتأخذها منها مدينة قم الايرانية.
الحفاظ على الزخم
الدافع الثاني الذي يحرك مخاوف الدول السنية كلها هو تهديد افكار السلفية المتطرفة التي يتصدرها تنظيم داعش. في العربية داعش هو الاحرف الاولى من اسم “الدولة الاسلامية في العراق وفي الشام”، ولكن التنظيم يعمل اليوم في سيناء وفي ليبيا بل وله فروع في افريقيا وفي اوروبا، مثلما تشهد أعمال الارهاب المتواترة. وعليه فان الاسم “الدولة الاسلامية” يكون ملائما للواقع أكثر.
ان اتساع حجم أعمال التنظيم يشكل تهديدا على الدول السنة، إذ هي كلها في نظره عدوا أول في سموه. في مصر هو عدو عمليا بسبب انتشاره في اجزاء من سيناء وارتباطه بحماس، الفرع الفلسطيني في غزة للاخوان المسلمين، كريهي نفس النظام الحالي في القاهرة. في الاردن وفي السعودية يهدد داعش النظام من الداخل، وفي كلتيهما توجد أجواء عاطفة على التنظيم في اجزاء مختلفة من السكان. وعليه، فانه اذا كان التحالف الذي يعمل ضد التنظيم سينجح في التقليص الشديد لمنطقة سيطرته في العراق وفي سوريا، فلا تزال الفكرة التي يمثلها التنظيم خطيرة جدا على الدول السنية.
اما الدافع الثالث فينبع من الاحساس بان الولايات المتحدة هجرت اصدقائها في المنطقة في لحظة الاختبار، وفي نيتها ان تقلص جدا دورها في المنطقة. في مصر تقوم المخاوف على اساس هجر مبارك وما بدا كتأييد من الولايات المتحدة للاخوان المسلمين. وفي السعودية وفي الخليج ينبع الاحباط من أنها ترى الاتفاق النووي مع ايران كاستسلام امريكي. وقد خاب املها من سلوك الولايات المتحدة تجاه مبارك من جهة وتجاه الاسد الذي يواصل قتل السنة من جهة اخرى، لانهم فهموا بان الولايات المتحدة لم تعد تقف الى جانبهم في الصراع حيال ايران بل تتوقع منهم أن يتنازلوا عن قسم هام من مطالبهم.
واضح أنه بالنسبة للدول السنية، التي ترى في الولايات المتحدة قوة عظمى بمجرد وجودها صدت كل قوة كان يمكن أن تهددها، فقد تغير الوضع. وحتى لو بقيت الولايات المتحدة قوة عظمى فانها فقدت الرغبة في استخدام قوتها في الشرق الاوسط. وفضلا عن ذلك، حتى وهي تتدخل، مثلا في قيادة الائتلاف ضد تنظيم الدولة الاسلامية، فان الامور تتم بتقنين وبحذر كبير، والولايات المتحدة تساوم خصومها في الميدان مثلما يتبين من ردها الهزيل على تعاظم التدخل الروسي في سوريا.
المفتاح لتحسين العلاقات
تبحث هذه الدول عن جهة يمكنها أن تساعدها في مثل هذا الوقت. اسرائيل هي الدولة الوحيدة في كل المجال والتي لا يوجد استقرارها في علامة استفهام. هي دولة قوية عسكريا واقتصاديا ولها قدرة واستعداد للدفاع عن مصالحها الحيوية. هذا هو الاساس لشبكة العلاقات الجديدة الناشئة بين اسرائيل وهذه الدول السنية، دول الوضع الراهن الكلاسيكي الموجودة في منطقة لا تكف عن التغيب، وهي تبحث فيه عن مرسى للاستقرار هي نفسها. اسرائيل هي مرسى كهذا، هذا زواج اضطراري وليس علاقات حب، ولكن له اهمية كبيرة ومتزايدة.
من أجل الوصول الى ازدهار حقيقي في العلاقات هناك حاجة للتعاون، مثلما قال لي امير سعودي ظهرت معه على منصة مشتركة في واشنطن. فقد قال ان “اجتماع المال الاسرائيلي والكفاءة العربية يمكنهما أن يغيرا كل المجال ايجابا. هذه النكتة المسلية تتناقض جدا مع الحقيقة: فاسرائيل يمكنها أن تعطي هذه الدول ما ينقصها: الامن، التكنولوجيا والتحسن الهائل في مجال الماء، الزراعة والصحة.
غير ان التعاون الجدي، العلني وبلا قيود لن يتاح الا اذا ما وقع اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين – ليس لان الموضوع ملح لزعماء الدول بل لان بدونه لن يسمح لهم الشارع بان يتقدموا علنا في شبكة العلاقات مع اسرائيل. غير أنه ليس ملحا للفلسطينيين ان يدفعوا نحو الاتفاق وشبكة العلاقات الاسرائيلية في أعقاب ذلك – العكس هو الصحيح؛ الفهم بانهم المفتاح لتحسين هذه العلاقات يرفع اهميتهم وثمنهم.
ان السبيل الوحيد للتغلب على هذا العائق هو تغيير ترتيب المراحل: يجب بناء شبكة علاقات تشكل مظلة مشتركة لعمل الدول السنية واسرائيل، واليها يقتاد الفلسطينيون كي يبدأوا بالمفاوضات. وخلافا للماضي، في هذا الوقت فان تحسن شبكة العلاقات هام للدول العربية بقدر لا يقل عن اسرائيل، غير ان العائق الاسرائيلي يزعجهم من تحقيقه بالشكل الكامل ليس مؤكدا ان الدول العربية قادرة على التغلب على هذا العائق رغم ما لديها من مصلحة. ومن المجدي ان تفكر اسرائيل كيف يمكنها أن تساعدهم في هذا، وذلك لان هذه فرصة تاريخية.
اسرائيل اليوم 5/8/2016