وقف مؤقت للتطبيع مع إسرائيل.. السعودية تربح الوقت من طوفان الأقصى

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 636
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

سلط الزميل لشؤون الشرق الأوسط بمعهد "بيكر للسياسة العامة" بجامعة رايس الأمريكية، كريستيان كوتس أولريشسن، الضوء على موقف السعودية من التطبيع مع إسرائيل في ظل تطورات الأوضاع بالأراضي الفلسطينية، مشيرا إلى أن اقتراب الرياض وتل أبيب من إبرام اتفاق تطبيع تلقى ضربة قوية بعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وذكر أولريشسن، في تحليل نشره بموقع "ذا كونفرسيشن" وترجمه "الخليج الجديد"، أن المخاوف من انتشار الصراع تشكل خلفية للدبلوماسية المحمومة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لإسرائيل في 18 أكتوبر/تشرين الأول، وهي المخاوف التي تهدد بتقويض ركيزة أساسية في أجندة السعودية الخارجية والمحلية: "الحد من المخاطر" الإقليمية.

وأضاف أنه مع عزم ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، على تنفيذ "رؤية 2030"، وهو برنامج اقتصادي واجتماعي وثقافي طموح، وتطوير المملكة كوجهة للسياحة والاستثمار، فإن تجدد عدم الاستقرار الإقليمي هو آخر ما يحتاجه.

تهدئة التوترات

ومن المؤكد أن العنف المتصاعد في الشرق الأوسط يمثل تحدياً للتحول نحو تهدئة التوترات في معظم أنحاء المنطقة الأوسع في السنوات الأخيرة، بما في ذلك توقيع اتفاقيات إبراهيم عام 2020، التي أقامت علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب.

لكن أولريشسن يرى أن التداعيات تذهب إلى أبعد من ذلك، وقد تشمل معاهدات رأب الصدع في جميع أنحاء الخليج، والتي بلغت ذروتها بتوقيع اتفاق في مارس/آذار 2023 لاستعادة العلاقات السعودية الإيرانية.

وكانت هذه الاختراقات الدبلوماسية قد فتحت مساحة لمزيد من التعاون الإقليمي من خلال مبادرات مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي تم الكشف عنه في اجتماع مجموعة العشرين بالهند في سبتمبر/أيلول 2023.

وهنا يشير أولريشسن إلى أن أمل المسؤولين في جميع أنحاء المنطقة تمثل في أن تؤدي التنمية الاقتصادية إلى دمج المنطقة وأن تهمش القضية الفلسطينية، وهو ما يبدو مهددا الآن.

القضية الفلسطينية

فحالة الحرب الحالية في غزة تهدد بعرقلة دول الخليج عن تحقيق توازن دقيق يتمثل في دعم القضية الفلسطينية أمام سكانها ذوي الأغلبية المسلمة، وفي نفس الوقت القيام بمبادرات تجاه إسرائيل والولايات المتحدة.

وعلى سبيل المثال، استضافت قطر منذ فترة طويلة القادة السياسيين لحركة حماس، بينما ظلت على علاقات ودية مع الولايات المتحدة. ومن المرجح أن تواجه الآن ضغوطًا إسرائيلية وأمريكية كبيرة لطرد قيادة حماس.

وقامت كل من الإمارات والبحرين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020، إلى جانب المغرب. لكن الدعم الشعبي لاتفاقيات إبراهيم في جميع أنحاء المنطقة كان دائمًا فاترًا في أحسن الأحوال، وربما يتضاءل الآن.

وفي الوقت نفسه، تستعد دبي، أكبر مدينة في الإمارات العربية المتحدة، لاستضافة المؤتمر الدولي لتغير المناخ "كوب 28"، ابتداء من 30 نوفمبر/تشرين الثاني. ولن ترغب الإمارات في أن يطغى على هذا الحدث أو يتعرض للخطر بسبب حرب إقليمية جديدة.

الوصول إلى إسرائيل

ولكن لا يوجد مكان أكثر حساسية من الحبل المشدود في السعودية، بحسب أولريشسن، مرجعا ذلك إلى المكانة الدينية للمملكة في العالم الإسلامي، فهي راعية الحرمين الشريفين، إضافة إلى مجموعة الإصلاحات الاقتصادية الطموحة التي أطلقتها المملكة كجزء من رؤية 2030.

وكانت الحملة من أجل إقامة دولة فلسطينية لفترة طويلة قضية مشهورة في العالم الإسلامي، وكان الملك الحالي للسعودية، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، من أشد المؤيدين لفلسطين طوال حياته.

لكن ابنه ووريثه، ولي العهد، أبدى اهتماما متزايدا بالحوار مع إسرائيل، وبلغ هذا ذروته في المحادثات الرامية إلى "تطبيع" العلاقات بين البلدين، وهو ما من شأنه أن يمثل اختراقاً تاريخياً في قبول إسرائيل في العالم العربي والإسلامي.

وفي 20 سبتمبر/أيلول، قال ولي العهد السعودي لشبكة "فوكس نيوز": "كل يوم، نقترب من التوصل إلى اتفاق".

وأشارت سلسلة من التسريبات لوسائل الإعلام الأمريكية في الأسابيع التي سبقت هجوم حماس إلى أن الخطوط العريضة للاتفاق بدأت تتشكل، بقيادة إدارة بايدن.

الدبلوماسية السعودية

لكن هجوم حماس وعدوان إسرائيل أدى إلى تقويض هذا الزخم، وأطلعت مصادر سعودية وسائل الإعلام في 13 أكتوبر/تشرين الأول على أن المحادثات بشأن التطبيع قد توقفت مؤقتًا، ولكن لم يتم التخلي عنها. وتتماشى هذه الرسائل مع المحاولات السعودية لتحقيق التوازن بين المصالح المحلية والخارجية.

وناشد بيان أولي لوزارة الخارجية السعودية، في 7 تشرين الأول/أكتوبر، كلاً من "الفصائل الفلسطينية" و"قوات الاحتلال الإسرائيلي" بوقف التصعيد.

لكن في صلاة الجمعة الأولى بالمسجد الحرام في مكة بعد الهجمات، كانت السلطات السعودية أكثر استعدادا للانحياز إلى أحد الجانبين، حيث حث رجل الدين المعين من قبل الدولة على دعم "إخواننا في فلسطين".

ووراء المظاهر العلنية للدعم للفلسطينيين، هناك أدلة على أن السعوديين يحاولون قيادة الجهود الدبلوماسية لمنع الحرب بين إسرائيل وحماس من التطور إلى حريق أوسع نطاقاً قد يشمل لبنان وإيران وآخرين.

وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول، ناقش بن سلمان التطورات الجارية في إسرائيل وغزة مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وهي أول محادثة بينهما منذ استعادة العلاقات بين البلدين في مارس/آذار الماضي.

وبعد 3 أيام، استقبل بن سلمان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في الرياض وسط تقارير إعلامية عن اختلافات بين المواقف السعودية والأمريكية بشأن الصراع والحاجة إلى وقف التصعيد.

النفط والاستثمار الأجنبي

وتتماشى مثل هذه التحركات الدبلوماسية مع رغبة ولي العهد في "التخلص من المخاطر" في المنطقة. وهو حريص على رؤية عدم تعرض سلسلة من "المشاريع العملاقة" للخطر، مثل مدينة "نيوم" المستقبلية الجديدة على ساحل البحر الأحمر، التي أصبحت مرادفا لرؤية 2030.

وتتمثل المخاوف السعودية في أن يؤدي صراع طويل أو إقليمي إلى ردع الاستثمار الأجنبي في رؤية 2030.

وكان ينظر إلى الاستثمار الأجنبي على أنه مفتاح نجاح "نيوم"، لكن مستويات الاستثمار الأجنبي تراجعت بعد احتجاز السلطات السعودية العشرات من كبار رجال الأعمال السعوديين في فندق ريتز كارلتون عام 2017 بسبب مزاعم بالفساد. وشعر المستثمرون بالخوف من احتمال اختفاء شركائهم التجاريين فجأة.

ونتيجة لذلك، يتعين على السعوديين أن يتحملوا نسبة أكبر من تكاليف رؤية 2030 بأنفسهم. وهذا يفسر سبب تعاون المسؤولين السعوديين مع نظرائهم الروس في اجتماعات "أوبك+" لإبقاء سعر النفط عند مستوى مرتفع بما يكفي لتوليد إيرادات كافية لتمويل المشاريع.

وهنا يشير أولريشسن إلى أن رؤية 2030 أصبحت مرتبطة بشدة بتعهد بن سلمان بتحول السعودية، إلى درجة أنه لا يستطيع تحمل فشلها، ومن هنا جاء تصميمه على الحد من مصادر التوتر الإقليمي، بما في ذلك مع إيران.

كما قام المسؤولون السعوديون مؤخرًا بمراجعة خططهم لجذب 100 مليون زائر سنويًا بحلول عام 2030 إلى 150 مليونًا وأطلقوا عرضًا لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034.

وتكمن وراء هذه المبادرات رغبة السعوديين في تنويع اقتصاد المملكة بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط، وتحويل المملكة إلى وجهة لرأس المال والسياح على حدٍ سواء. ومن شأن هذه الطموحات أن تتعرض للخطر إذا اندلعت حرب إقليمية أخرى في الشرق الأوسط.

ورقة التطبيع

إذ أين يتجه تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية؟ يجيب أولريشسن بأن تجميد العملية في الوقت الحالي يتناسب مع التوازن الدقيق الذي يقوم به بن سلمان، فالمضي قدماً بأقصى سرعة كان سيخاطر بردود فعل عكسية من دول عربية وشرق أوسطية أخرى، ما يقوض عملية "التخلص من المخاطر" في المنطقة.

وقد يوفر ذلك أيضًا للسعودية نفوذًا أكبر، حيث ستحرص إسرائيل والولايات المتحدة على ألا يؤدي العنف الحالي إلى إخراج العملية بالكامل عن مسارها.

ويخلص أولريشسن إلى أن إيقاف عملية التطبيع مع إسرائيل "مؤقتًا" أصبح الآن منطقيًا من الناحية التكتيكية بالنسبة للسعودية، نظرًا لتدفق الغضب في العالم الإسلامي بسبب التطورات في غزة، كما يوفر للقيادة السعودية فرصة للسيطرة على المرحلة التالية.

 

المصدر | كريستيان كوتس أولريشسن/ذا كونفرسيشن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد