واشنطن للرياض: «الحوثيون» لن يتراجعوا... فتّشوا عن طرُق أخرى
يشكّل اليمن نقطة تقاطع مهمّة للمصالح والرؤى الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية. ولكن، بعد أكثر من ستّ سنوات على بدء الحرب من أجل تحقيق هدف معَلن هو «هزيمة أنصار الله» و«تثبيت سلطة الحكومة الشرعية»، نَبَت العشب بين واشنطن والرياض. إذ لم يتحقّق أيّ من الهدفَين المذكورَين، بل إن المعركة آلت إلى خلْق واقع سياسي - عسكري - اقتصادي جديد في الإقليم، ساهم في تكثير التباينات بين الحليفَين التاريخيَين، وأفضى إلى تقليص الطموح السعودي إلى حدود إبرام اتفاق يضمن أمن المملكة الحدودي ويحمي أراضيها من الهجمات الصاروخية. مع ذلك، وفي ظلّ تدحرج كرة الحرب إلى جبهة مأرب، ووصولها أخيراً بقوّات صنعاء إلى ما لا يبعد أكثر من كيلومترات قليلة عن مركز المحافظة، ظلّ السعوديون يراهنون على موقف أميركي حازم يقلب المشهد في المحافظة رأساً على عقب، غير مصدّقين أن موقفاً مماثلاً لن يأتي من واشنطن على أيّ حال. وهو ما أكده المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، في مقال له في الرابع من الجاري، حيث كتب: «في مطلق الأحوال، من غير الوارد أن تحاول إدارة بايدن تفادي انتصار كامل للحوثيين، سواءً من خلال العمل مع السعوديين لتسليح حكومة هادي وحلفائها المحليين وتنظيمهم بشكلٍ أفضل، أو عبر الإيعاز إلى الجيش الأميركي بالتدخّل مباشرةً».
ومن هنا، يُفهَم ما تكشفه الوثائق التي اطّلعت «الأخبار» على نُسخ منها، لناحية سعي الولايات المتحدة لإقناع السعوديين بضرورة وقف الحرب، والكفّ عن الرهان على إمكانية تأثير طرف ثالث على «أنصار الله»، كما هو الحال في المفاوضات التي خاضوها مع الإيرانيين في بغداد. ففي لقاء ضَمّ مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى بالوكالة، جودي هود، إلى دبلوماسيين خليجيين في واشنطن (وثيقة مؤرّخة بتاريخ 4 حزيران 2021)، قال هود إنه «لا شيء يؤثّر حالياً في سلوك الحوثيين حتى بعد رفع اسمهم عن قائمة الإرهاب الأميركية، وإيران قد لا تمتلك تأثيراً عليهم»، لذلك «نعتقد أن إيقاف السعودية لعملياتها والخروج من اليمن، ومن الحديدة ضمناً، سيساعد في إنهاء الحرب»، معتبراً أنه «على الرغم من صعوبة تقبّل هذا الطرح، إلّا أنّنا نعتقد أنه التحرّك الصحيح».
وبحسب وثيقة أخرى مؤرّخة بـ21 شباط 2021، كشفت المسؤولة عن مكتب اليمن في الخارجية الأميركية، تيريز بوستيل، عقب زيارة لها برفقة المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، إلى الرياض، أن «السعوديين يبحثون عن طريقة للخروج من الحرب في اليمن». وإذ أعربت عن قلق بلادها من تقدّم «أنصار الله» في مأرب «ما يؤدي إلى عرقلة عملية السلام»، فقد اعتبرت أن «كلفة انسحاب السعودية بشكل مفاجئ من حرب اليمن ستكون مرتفعة على الأرجح (...) سيتمدّد الحوثيون أكثر، وقد تَدخل دول أخرى مثل قطر وتركيا والإمارات إلى الساحة لانتهاز الفرصة، وقد يطول أمد الصراع». وأضافت بوستيل أن إدارة بايدن «تشعر بالسخط في ضوء ازدياد هجمات الحوثيين بعد إعلان الإدارة الأميركية رفعهم عن قائمة المنظمات الإرهابية»، وكشفت أن واشنطن «ستفرض عقوبات جديدة على شخصيات عسكرية حوثية من دون الشخصيات السياسية، كي لا تؤثّر سلباً على محادثات السلام المزمع عقدها مستقبلاً». وعلى رغم ما يَظهر أنه تناقض بين حديثَي هود وبوستيل، إلّا أنهما قد يصبّان واقعاً في الخانة نفسها، لناحية «إغراء» السعودية بضرورة إيجاد مخرج من المأزق اليمني.
ولعلّ ما يؤكد ذلك هو أنه بعد أيام قليلة على حديث بوستيل، شدّد مدير شؤون الخليج في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، كينيث إيفانز، خلال لقائه دبلوماسيين من دول خليجية (وثيقة مؤرّخة بـ26 شباط 2021)، على أن «هناك فرصة وإنْ غير سهلة لإنهاء الحرب في اليمن»، مشيراً إلى أن ليندركينغ زار الرياض مؤخراً و«يرى أن السعودية تريد إنهاء الحرب، وأن الحوثيين قد يكونون مستعدّين لإنهاء الحرب وفقاً لشروط من بينها فتح مطار صنعاء، فتح ميناء الحديدة، تقاسم الموارد المالية بين الحكومة المعترَف بها دولياً والحكومة التي يقودها الحوثيون في الشمال». وفيما لو يورد إيفانز أيّ تعليق سلبي حيال «الشروط الحوثية» التي تحدّث عنها، فقد رأى أنه «في حال وافقت إيران على العودة إلى المفاوضات النووية، فإنها قد تضغط على الحوثيين لأجل التهدئة»، إلا أنه أضاف أن «الحوثيين يعتقدون بأنه يمكنهم تحقيق انتصار في مأرب، لذلك لن يقدّموا تنازلات في هذه المرحلة».
وفي إضافة لافتة قد تفسّر الكثير من جوانب التباين السعودي - الأميركي في اليمن، شدّد إيفانز، بحسب الوثيقة نفسها، على أن مهمّة ليندركنغ تتمثّل في دعم جهود مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن (في حينه) مارتن غريفيث، لوقف الحرب والانتقال إلى المحادثات السياسية، «وليس البحث عن أفكار جديدة». كما بدا لافتاً قوله إن بلاده ستضغط على الرياض «من أجل الموافقة على تقديم دعم لجنوب اليمن، لأن الاستقرار في الجنوب سيكون مفيداً للدول الخليجية»، واعتباره أنه «يمكن تحقيق ذلك من خلال دعم البنك المركزي بالأموال ودعم قطاعات الدولة». كذلك، تناول إيفانز موضوع الدفاعات الجوية السعودية التي طلبت المملكة عام 2019 من الدول الأوروبية المساعدة في تعزيزها ضدّ الهجمات الصاروخية، متسائلاً عن جدوى متابعة السعودية هذا الموضوع مع الأوروبيين في ظلّ استمرار الهجمات على المملكة.