تقرير حقوقيّ| أوجه القصور في إدارة وتوجيه الصندوق السعودي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 428
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرا حديثا انتقدت فيه الدور الذي أوكِل لصندوق الثروة السيادي السعودي، من حيث تمويل مشاريع للسلطة تبيّض سمعتها، وتسهيل انتهاكاتها لحقوق الإنسان. ترصد المنظمة في مقدمة تقريرها النمو السريع للصندوق سيما مع صعود محمد بن سلمان في حكم البلاد وسيطرته على أهم أجهزة “الدولة” وهي السلطة التي استغلها لإعادة هيكلة الصندوق وتوسيعه بشكل كبير. حقق الصندوق ارتفاعا مهما في حجمه وفي إنفاقه: ففي 2021، لم يكن الصندوق ضمن أكبر المنفقين في العالم، لكن بحلول 2023 تم تصنيفه كأكبر مستثمر رائد من قبل مرصد ˝غلوبال إس دبليو إف˝  للاستشارات ورصد صناديق الثروة السيادية. وفي غضون عقد واحد، نما الصندوق من 84 مليار دولار سنة 2014 إلى حوالي 925 مليار دولار في مطلع 2024.   بالنظر إلى كون الصندوق أكبر ممول لمشاريع رؤية ابن سلمان، وجد التقرير أن أشكال انتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت خلال تنفيذ المشاريع سهّل حصولها صندوق الاستثمارات. كما يلحظ التقرير المحطات الأساسية التي سبقت ارتفاع احتياطات الصندوق: – في نوفبمر تشرين الثاني 2017 بدأت السلطات، بأمر من محمد بن سلمان، بتنفيذ حملة اعتقالات جماعية لرجال أعمال وأفراد من آل سعود ومسؤولون حكوميون في فندق الريتز كارلتون، واحتجزت مجموعة من الأشخاص وأجبرتهم على تسليم أموالهم وأراضيهم وممتلكات أخرى، بما فيها أسهم في شركاتهم: تشير الوثائق السعودية التي استعرضتها هيومن رايتس ووتش إلى أنّ إحدى الشركات التي نُقلت إلى الصندوق، هي “شركة سكاي برايم للخدمات الجوية”، وهي شركة طيران مستأجرة تمتلك الطائرتين اللتين استخدمهما عملاء سعوديون في 2018 للسفر إلى اسطنبول، حيث قتلوا جمال خاشقجي. – كانون الأول 2019، الطرح العام الأولي لشركة “أرامكو” – فبراير 2022، نقل 4% من أسهم أرامكو إلى صندوق الاستثمارات العامة. – نيسان 2023، نقل 4% من أسهم أرامكو إلى شركة “سنابل للاستثمار”، المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة. – نيسان 2024، نقل 8% من أسهم أرامكو إلى صندوق الاستثمارات. يتنقد التقرير ما يزعمه مسؤولون سعوديون ووثائق سياسات عن الصندوق عن أن صندوق الاستثمارات مفيد للجمهور السعودي لأنه يستخدم عائدات صادرات الوقود الأحفوري لتنويع الاقتصاد المحلّي في مجالات غير النفط. فحتى وإن تحقق هذا الوعد، فإنّ كلفته قد تكون عالية: فغالبا ما تُستخدم صناديق الثروة السياديّة لتركيز السلطة السياسيّة وترسيخها في الأنظمة الاستبداديّة، كما خلُص إلى ذلك علماء السياسة والاقتصاد الذين درسوا هذه المؤسسات. الانتهاكات الحقوقية المرتبطة بالصندوق تسرد المنظمة ضمن سلسلة الانتهاكات الحقوقية المتعلقة بصندوق الثروة السيادي ما حصل من تهجير أهالي منطقة تبوك وقتل إحدى سكانها من قبيلة الحويطات واعتقال افرادا منهم نتيجة عدم راضاهم عن سلب أراضي أجدادهم منهم لصالح بناء مدينة نيوم. تقول هيومن رايتس ووتش أنها على مدى أكثر من عقدين من الزمن وثّقت الفساد وسوء الإدارة في اقتصادات البلدان الغنيّة بالنفط. عندما تكون الحكومة المستفيد المباشر من مصدر رئيسي للإيرادات الخاضعة لسيطرة مركزيّة، وبالتالي لا تعتمد في عملها على الضرائب المحليّة أو اقتصاد متنوّع، يحظى حُكّام الدولة بفرصة فريدة للإثراء الشخصي والفساد، خاصة في غياب الشفافية في إدارة الإيرادات، ويقترن ذلك بآثار مدمّرة للحوكمة، وصولا إلى المس باحترام حقوق الإنسان. وبدلا من تحقيق الرخاء وسيادة القانون واحترام الحقوق، قد يتسبب وجود مصدر للإيرادات خاضع لسيطرة مركزيّة – مثل إيرادات النفط – في تعزيز أو مفاقمة ميول الحاكم (أو النخبة الحاكمة) غير الديمقراطي أو غير الخاضع للمحاسبة من خلال توفير وسائل مالية تسمح له بترسيخ نفسه والإثراء دون أي مساءلة. من المؤشرات الرئيسيّة لجودة الحُكم هو ما إذا كانت الحكومة ملتزمة بالشفافيّة والمحاسبة وسيادة القانون وحقوق الانسان، عندما يكون الحاكم أو النخبة الحاكمة غير ديمقراطيين أو غير مسؤولين أمام مواطنيهم، فإنّ سوء الإدارة وسوء القرارات الاقتصاديّة والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان تصير رائجة. وبدلا من تحسين الوضع العام، فإنّ وجود مصدر إيرادات خاضع لسيطرة مركزيّة، مثل إيرادات النفط، قد يؤدي إلى تفاقم انتهاكات الحاكم أو النخبة الحاكمة غير الديمقراطية، وإلى الحُكم السيئ من خلال توفير وسائل مالية تسمح لها بترسيخ وإثراء نفسها دون أيّ مساءلة في المقابل. هذه المشاكل متفشية بوضوح في السعوديّة وتثير خطرا كبيرا يتمثل في استخدام وليّ العهد الصندوق لترسيخ حكمه بأمر الواقع من خلال وضع نحو تريليون دولار من ثروة السعودية في متناول يده مباشرة تحت سيطرته.   سيطرة وليّ العهد على الصندوق تتطرق المنظمة الحقوقية إلى التبدل الذي طرأ على شكل إدارة الصندوق الاستثماري العام خلال “وصاية” ابن سلمان، فالصندوق الذي أُسِّس عام 1971 أُعيد تشكيله عام 2015 على يده وترأس منذ حينه مجلس إدارته، ووفق  بيانات حكوميّة ووثائق قضائيّة وقوانين ومراسيم داخليّة سعوديّة حصلت عليها هيومن رايتس ووتش وجدت أنّ التغييرات التي أدخلها ابن سلمان على إطار حوكمة الصندوق مكّنته من تركيز قدر كبير من السلطة والرقابة على الصندوق بين يديه. حتى 2015، كانت استراتيجية الاستثمار الخاصة بالدولة السعودية بشكل عام، والصندوق بشكل خاص، تعكس البنية المشرذمة للدولة السعوديّة. في السابق، كان الصندوق يعمل بخطة استثمار “غير منسّقة”، وهي “مرتبطة ببنية النظام المشرذمة”، كما خلُص إلى ذلك الأكاديمي ألكسيس مونتامبولت تروديل. منذ 2015، تخضغ قرارات الاستثمار التي تتخذها الحكومة السعوديّة لهيمنة الصندوق. وفقا لمونتامبولت تروديل، شهد الصندوق بعد 2015 “تحولا من أنماط استثمار متفرقة وغير منسقة مرتبطة بخلافات بين الأجهزة وتأثير كبار صناع القرار إلى استراتيجيّة شخصيّة وتدخليّة للغاية مدفوعة بمجموعة متماسكة من أطراف داخل النظام تتمحور حول وليّ العهد”. حتى بات الصندوق يصف نفسه بـ”الذراع الاستثماريّة الرئيسيّة” للسعوديّة. رغم أنّ خطّة برنامج الصندوق للفترة 2021-2025 تضع ظاهريا إطارا قويا للحوكمة والعمليات، إلا أنّ هيومن رايتس ووتش وجدت أنّ هذه الضمانات المؤسسيّة تمّ التحايل عليها بسهولة من قبل ابن سلمان. انطوت الاستثمارات الكبرى للصندوق على قرارات أحاديّة من قبله، رغم اعتراض مجلس الإدارة ومستشارين محترفين. فقد تحايل على إجراءات الحوكمة، وتوجه مباشرة إلى “الملك” عندما لاقت قراراته معارضة. انعدام الشفافيّة والمساءلة بشأن ثروة الدولة تذكر المنظمة في هذا الإطار أن محمد بن سلمان، مدعوما بمجموعة صغيرة من النخبة السعوديّة غير الخاضعة للمحاسبة، يسيطر على الدعامات الأساسيّة لاقتصاد البلاد، ويستخدم هذه الدعامات كما يشاء، موظِّفا المال العام لخدمة مصالحه. يستخدم ولي العهد ومجموعة صغيرة من النخبة ثروة السعوديّة لتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب الصالح العام. ومن خلال الصندوق، يتم التحكّم بالموارد العامة السعوديّة فعليّا من قبل شخص واحد، رغم أنّه لا يُمارس هذه السلطة الاقتصاديّة الواسعة لخدمة الصالح العام على نطاق أوسع، بل يتصرّف بالمال العام بشكل تعسفي وبطريقة شخصيّة جدّا. يتابع: تتفاقم المخاوف بشأن القادة المنتهِكين وغير الخاضعين للمحاسبة والذين يسيطرون على ثروة الدولة الهائلة عند النظر في مصادر النموّ الكبير الأخير للصندوق. فمعظم النموّ الذي تحقق منذ 2015 يعود إلى نقل أصول حكوميّة سعوديّة أخرى إلى الصندوق، وأبرزها نقل أسهم الشركة النفطية التي تملكها الدولة “أرامكو”، إضافة إلى عائدات الطرح العام الأولي لأرامكو في 2019، وليس العائدات من محفظة استثمارات الصندوق. تعليقا على نقل أسهم من “أرامكو” إلى الصندوق، اعتبرت المنظمة أن محمّد بن سلمان من خلال نقل أصول حكوميّة قيّمة إلى الصندوق، وفر لنفسه مبالغ كبيرة من رأس المال لتحقيق مصالحه الخاصة. مثلا، شركة نيوم، التي يملكها الصندوق بالكامل، تطوّر منطقة اقتصاديّة ومدينة جديدة على البحر الأحمر يتم بناؤها من الصفر بتكلفة تقدر بـ 500 مليار دولار. ويبرهن مشروع نيوم، وفقا للمنظمة، كيف يتمكن ولي العهد بشكل أحادي من توجيه مبالغ هائلة من ثروة الدولة إلى مشاريع ضخمة لا تساهم فعليا في إحقاق الحقوق الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، على الرغم من الالتزام الدولي الواقع على السعودية بتخصيص أقصى قدر من الموارد المتاحة لإعمال هذه الحقوق تدريجيا. وفي صلة بالموضوع، قالت “بلومبرغ”، أنّ بداية تشييد مشروع “ذا لاين سيتطلّب إزالة أكثر من 20 مليون طنّ من الصخور – أي ثلاثة أضعاف وزن سدّ هوفر [في الولايات المتحدة]”. وكان أحد كبار المديرين في نيوم “منزعجا مما شاهده من إهدار للمال العام [للمشروع] لدرجة أنه أرّق نومه”. وقال آخر لوكالة الأنباء: “لم نتمكّن حتى من تقدير تكلفة البناء. كنا نعلّق المباني بجانب المنحدرات دون أن نعرف حتى البنية الجيولوجية”. غسل الانتهاكات الحكومية عبر الصندوق تُستخدم استثمارات الصندوق في الولايات المتحدة وبريطانيا وأماكن أخرى في العالم أيضا أداةً قويّة لممارسة القوّة الناعمة والنفوذ السعوديَّين. تُشكّل هذه الاستثمارات حجر الزاوية في عمليات التأثير السعوديّة في الخارج، والرامية إلى حشد دعم أجنبي غير ناقد أجندة محمد بن سلمان، ونشر معلومات مضلّلة حول السجلّ الحقوقي للسعودية، وتجاوز التدقيق، وإسكات المنتقدين، وتقويض المؤسسات التي تسعى إلى الشفافية والمساءلة. تحت ستار التعامل التجاري العادي، تُسفر استثمارات الصندوق عن حصد النفوذ والدعم وإسكات المنتقدين لدى بعض الأطراف التي تملك أكبر نفوذ سياسي استراتيجي في العالم. تضمنت الاتفاقيّة الإطاريّة المبرمة في يونيو/حزيران 2023 بين “رابطة لاعبي الغولف المحترفين” (“بي جي إيه”) و”ليف غولف” (LIV Golf) التي يموّلها الصندوق “بند عدم تحقير” يمنع مسؤولي رابطة لاعبي من انتقاد سجل حقوق الإنسان السعودي. توصيات في التوصيات التي وجهها تقرير المنظمة في ختام التقرير، على حلفاء السعودية: -التحقيق في ما إذا كانت لدى صناديق الثروة السياديّة وصندوق الاستثمارات العامة السعودي صلات بانتهاكات حقوق الإنسان، وإذا كان الأمر كذلك، النظر في فرض عقوبات على الأفراد والصندوق نفسه حتى تتم معالجة هذه الانتهاكات من خلال آليات مساءلة وتعويض مستقلّة وشفافة. – فرض منع سفر وتجميد أصول على أكبر المسؤولين السعوديين الذين لعبوا دورا في اغتيال جمال خاشقجي أو ارتكبوا أعمال تعذيب، بمن فيهم كبار المسؤولين في الصندوق.  -الدعوة إلى إطلاق سراح المعارضين والنشطاء المحتجزين فقط بسبب انتقادهم السلمي للسلطات السعوديّة.