الآن وهنا..الحرب تخرج من مربع الإسناد إلى “الحساب المفتوح”

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 118
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لم يعد ثمة مجال للشك، بأن حكومة الإرهاب والفاشية، قد انفلت عقالها، وأن شهيتها لإشعال الحرائق والحروب لا حدود لها يمكن أن تتوقف عندها. دخلت المعارك والمواجهات على جبهة الإسناد مرحلة استراتيجية جديدة، هذا ما ذهبنا إليه بعد عملية “البيجر” و”اللاسلكي” وجرائم الاغتيال الآثمة في بيروت، وهي العمليات اللئيمة والمؤلمة، التي لم تميّز بين مدني وعسكري، بين مقاتل وناشط اجتماعي، عنوان هذه المرحلة “الدخول في الحساب المفتوح”، على حد تعبير نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم. لم يعد ثمة مجال للشك، بأن حكومة الإرهاب والفاشية، قد انفلت عقالها، وأن شهيتها لإشعال الحرائق والحروب لا حدود لها يمكن أن تتوقف عندها… “لقد انتهت الحرب على غزة فعلياً من دون أن تنتهي رسمياً”، فكان لا بد من فتح جبهة جديدة، لتحقيق غرضين اثنين: الأول، تكتيكي، بالوصول إلى الانتخابات الأميركية، بعد إطاحة كامل حظوظ حملة كمالا هاريس والحزب الديمقراطي، وفي الطريق معالجة قضية نازحي مستوطنات الشمال التي تضغط على نتنياهو كما كانت تضغط عليه قضية المحتجزين لدى حماس جنوباً. والثاني، استراتيجي، لحسم الصراع مع الفلسطينيين بتصفية قضيتهم، وإعادة تشكيل “المملكة الثانية” في “إسرائيل” على مقاسات اليمين الديني – القومي ووفقاً لمعاييره، وفي الطريق الحفاظ على الحكومة، وتجنيب نتنياهو ما أمكن، عناء “التحقيق في الفشل والتقصير”، والمحاسبة على ارتكاباته القديمة – الجديدة، من فساد وسوء استخدام السلطة وتلقي الرشى. في الهدف التكتيكي، يقتضي الأمر، إسكات مدافع حزب الله وصواريخه ومسيّراته، ودفع مقاتليه إلى”الجلاء عن الجنوب”، إلى ما بعد الليطاني… هذا الهدف وحده، يتطلب حرباً شاملة، تتخطى الإسناد إلى الدفاع عن لبنان… هذا الهدف وحده، ينقل الحرب برمتها، من مربع الإسناد إلى ميادين الدفاع عن النفس، عن لبنان ومقاومته، فلا الحزب في وارد وقف إسناده لغزة، فتلكم قضية عقائدية وسياسية من دونها تنهار سرديات المقاومة ووحدة الساحات، ولا الحزب في وارد الاستجابة لإملاءات نتنياهو، بعد أن دفع غالياً، بالأمس واليوم، ثمن تثبيت قواعد اشتباك، وتوازن ردع متبادل… تلكم أضغاث أحلام، تساور نتنياهو وفريقه، وعليهم إن كانوا جديين في الوصول إليها، خوض غمار حرب واسعة وشاملة، وأن يكتب لهم الانتصار فيها، وذلكم خيار دونه خرط القتاد. يبقينا ذلك أمام سيناريوهات ثلاثة للأيام والأسابيع المقبلة…الأول؛ البقاء في دائرة النار ضمن قواعد الاشتباك الجديدة، وليس القديمة، بما يعني توسيع مديات الحرب وميادينها وطرازات الأسلحة المستخدمة فيها، مع بقاء الباب مفتوحاً لمزيد من التدهور والانهيارات المتسارعة… والثاني؛ التدخل العاجل للدبلوماسية لمنع الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها، وذلكم سيناريو أقل احتمالاً، سيما على بعد ستة أسابيع من الانتخابات الأميركية، وفي ظلال إدارة “محبطة”، وعاجزة، تحوّلت إلى “بطة عرجاء” بكل ما تعنيه الكلمة… أما السيناريو الثالث؛ الانفجار الكبير، فهو الاحتمال الأكثر رجحاناً في ضوء حرب الصواريخ والطائرات والمسيّرات التي تشتد ضراوة، وما يمكن أن تفضي إليه من خسائر تزيد في احتدامها، وصعوبة تحمّل الأطراف كلفتها على المدى البعيد. هي الحرب، تقرع الأبواب، وقد فرضها نتنياهو من جانب واحد، بعد عام من انضباط جبهة الإسناد لقواعد الاشتباك، لم تخرقها سوى في المرات التي بادر العدو إلى اختراقها، ومن باب رد الفعل وليس الفعل، وبهدف حفظ التوازن، وإعادة الطرف الآخر، إلى القواعد المرعية ذاتها. هي اللحظة التي ستجد المقاومة اللبنانية نفسها، تخوض هذه الحرب على اتساعها، كارهة وليست راغبة، وهذه المرة، بلا ضوابط ولا خطوط حمر ولا سقوف… فالعدو المذعور مما بحوزة المقاومة من عناصر قوة واقتدار، يصب جحيم حممه وغضبه، فوق رؤوس اللبنانيين في بلدات الجنوب والبقاع والضاحية، ظنّاً منه، أن تلكم هي الطريقة الأنسب، لمنع حمم المقاومة من التساقط فوق رؤوس جبهته الداخلية، هو يضرب بقسوة نادرة، حتى لا يتعرض لما كان يخشاه في أحلامه وكوابيسه… هي ضربة الخائف التي غالباً ما تكون، أشد غدراً وإيلاماً من ضربات الشجاع الواثق، ولذلك نراها أشد قسوة وكلفة. أياً يكن من أمر، فإن “إسرائيل” تتصرف من قاعدة أنها نجحت في استرداد زمام المبادرة، واستعادة صورتها الردعية، بعد زلزال أكتوبر…الاحتفاء بعمليات البيجر واللاسلكي والاغتيالات، عكست هذا المزاج، وظهّرته…والغارات غير المسبوقة على الجنوب والبقاع، لا تترك مطرحاً لأي نوع من أنواع ضبط النفس… والعدو قرأ أصلاً انضباط المقاومة، ضعفاً وخوفاً، وهو الذي قرأ “مرونة” حماس في المفاوضات ضعفاً وهزيمة، فتمادى في طرح شروطه التعجيزية، واجتراح المزيد منها. هنا، وعند هذه اللحظة بالذات، تخرج قواعد الاشتباك، عن منطق “الإسناد”، وتشتد الضرورة لاستعادة زمام المبادرة، وفرض ميزان ردع جديد، بخلاف ذلك، لا حدود لأهداف العدو وشروطه، ولا قعر للتنازلات التي سيحاول فرضها وانتزاعها… هنا، وعند هذه النقطة بالذات، يمكن القول، إن الحرب بدأت رسمياً على جبهة لبنان، وأن استخدام القوة والمزيد منها، من جانب المقاومة، هو الطريق الأقصر، لاختصارها واختزال أكلافها. لقد انتهكت “إسرائيل” الخطوط الحمر كافة، ومزّقت قواعد الاشتباك، وألحقت ضربات مؤلمة بالمقاومة، لم تمتها صحيح، ولكن إنكار أثرها أو التهوين من نتائجها، ليس من الصواب في شيء… عين الصواب، هو في الرد المتناسب بحجم العدوان، حتى لا ترتد استراتيجية استنزاف العدو، إلى نقيضها، فتصبح استنزافاً للمقاومة ذاتها، وفي ظني أن الكثير يمكن تعلمه من تجربة الحرب على غزة، وتكتيكات الإسناد والمشاغلة والاستنزاف، لكن ليس الوقت الآن، مناسباً لفتح هذا الموضوع، ولدينا متسع من الوقت لنعود إليه بعد أن تصمت المدافع. لكن الدرس الأهم الذي يتعين إبرازه، والتأشير عليه، من تجربة العام الأول للحرب على غزة ومقاومتها، إنما يتمثل في دور جبهات الإسناد، للبنان هذه المرة، وليس لغزة… فالمطلوب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تخطي الاستنزاف إلى الانخراط المباشر واسع النطاق في المعارك مع هذا العدو، الإسناد يتعين أن يتخطى مرحلة “توجيه الرسائل” والتحذيرات، فمثلما استدارت “إسرائيل” صوب لبنان، بعد أن نجحت في إطفاء المعارك الكبرى في قطاع غزة، ستتجه صوب جبهات الإسناد في اليمن وسوريا والعراق، إن قُدّر لها، لا سمح لها، أن تحقق مراميها على جبهة شمال فلسطين/ جنوب لبنان. و”الحساب المفتوح” الذي تحدث عنه نائب الأمين العام للحزب، يجب أن لا ينظر إليه كحساب مفتوح بين المقاومة اللبنانية والكيان الصهيوني، فهناك حسابات مفتوحة، يتعين غلقها، بين هذا الكيان وكل من اليمن وسوريا والعراق وإيران، وقد آن أوان غلق هذه الحسابات، معاً وفي توقيت متزامن، عندها، وعندها فقط، سيشعر “المدين” بأنه شارف على الإفلاس وعجز عن سداد ديونه، أما في حال تسديدها، بالتقسيط، وعلى مراحل، فذلك أمر يمكن لـ”إسرائيل” احتماله، والتعايش مع مندرجاته. كما أن تسديد الحسابات العالقة والمفتوحة، ربما يكون طريقاً مختصراً لتفعيل الدبلوماسية والحلول السياسية، لمن لا يريد للحرب الشاملة والواسعة أن تندلع، ويسعى في تفاديها… ومن تجربة العام الفائت في الحرب على غزة، لم تكن الدبلوماسية لتتحرك بكثافة، إلا حين يكون الإقليم برمته، جالساً فوق فوهة بركان، وفي كل مرة، كانت القناعة فيها تتوفر لدى واشنطن و”تل أبيب”، بأن الأطراف ليست في وارد التصعيد والحرب الشاملة، كان وهج الوساطات، يخبو وينحسر…. مثل هذا الخطأ، لا يجوز تكراره على الجبهة اللبنانية، فتوسيع المواجهة وتصعيدها وتعديد جبهاتها، هو الطريق الأقصر، أولاً لتفعيل الدبلوماسية، وثانياً لكسب هذه الجولة الميدانية أو الحرب، إن ثبت أن الدبلوماسية مصابة بإعاقة مزمنة، لا شفاء لها، ولا رجاء منها.