الدعم الخليجي.. شريان الحياة الوحيد للحكومة الباكستانية الجديدة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1527
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

كانت البيئة السياسية الباكستانية في حالة من عدم اليقين منذ يناير/كانون الثاني، وأدى رحيل رئيس الوزراء "عمران خان" وعودة تحالف المعارضة إلى السلطة إلى تفاقم حالة الفوضى السياسية فضلا عن تعميق الأزمة الاقتصادية.

وتمكنت حكومة "خان" من تفادي مكائد المعارضة لأكثر من 3 سنوات، لكنها واجهت تهديدا وجوديا في مارس/آذار حين قدمت المعارضة اقتراحًا بسحب الثقة في البرلمان بعد انشقاق نواب من معسكر الحكومة إلى المعارضة. وفي محاولة لإحباط هذا التحرك تم حل البرلمان، لكن تدخل المحكمة العليا أجهض هذا القرار. ومع عودة البرلمان، تم التصويت لصالح سحب الثقة من حكومة "خان" في 10 أبريل/نيسان. وأثارت الإطاحة بـ"خان" موجة من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد. وحتى في دول الخليج العربي، نظم المغتربون الباكستانيون احتجاجات ضد عزله.

وظل الجيش الباكستاني القوي شريكًا رئيسيًا لـ"خان" منذ أن أصبح رئيسًا للوزراء في عام 2018، واعتبر الدعم المؤسسي للجيش أمرًا بالغ الأهمية في بقاء "خان" في مواجهة تحالف أحزاب المعارضة. لكن "خان" فقد قاعدة الدعم السياسي مع تدهور علاقته مع قائد الجيش الجنرال "قمر جاويد باجوا" حيث اختلف الرجلان حول مصير المدير العام للاستخبارات (وهو أيضًا ضابط في الجيش) وقد عمل في الواقع كعين وأذن لرئيس الوزراء.

وبينما حاول "باجوا" نقل مدير عام المخابرات إلى منصب مختلف، لم يوافق رئيس الوزراء على هذه الخطوة مما أثار انعدام الثقة بين الطرفين وتسبب في أزمة سياسية مصغرة. وفي النهاية، وافق "خان" على التغيير، لكن الحادثة وسعت هوة عدم الثقة بين حكومة "خان" وقائد الجيش. وأكد مكتب العلاقات العامة بالجيش الحياد السياسي للمؤسسة، مما أثار تكهنات حول فقدان "خان" لدعم حليف رئيسي.

وأدى عزل حكومة "خان" إلى مزيد من التصدع في السياسة الباكستانية، مع تشكيل ما يقرب من 12 كيانًا سياسيًا من أقطاب أيديولوجية وعرقية وسياسية مختلفة الائتلاف الحاكم الجديد. ولم تتفق هذه الأطراف على أي شيء سوى عزل "خان". وقد أعاد هذا الاضطراب السياسي أيضًا النخب السياسية التقليدية في باكستان إلى السلطة، ولا سيما عائلتي "شريف" و"بوتو".

يشار إلى أن رئيس الوزراء الجديد "شهباز شريف" هو الأخ الأصغر لرئيس الوزراء الأسبق "نواز شريف" الذي شغل المنصب 3 مرات (1990-1993، 1997-1999، و2013-2017). وكان لـ"شهباز شريف" الفضل في الإنجاز السريع للمشاريع العملاقة التي أدت إلى تحسين البنية التحتية للنقل الحضري وزيادة قدرة توليد الطاقة في إقليم البنجاب، أكبر الأقاليم الباكستانية وأكثرها اكتظاظا بالسكان.

ومع ذلك، فإن المهارات الإدارية لـ"شهباز شريف" لم تجعله الوجه الرئيسي لحزبه الذي ما زال يتمحور حول صورة أخيه الأكبر. كما يعد وزير الخارجية الجديد "بيلاوال بوتو زرداري" لاعبا مهما في التكوين السياسي الجديد وهو نجل رئيسة الوزراء السابقة "بونظير بوتو" التي شغلت المنصب في فترة 1988-1990 و 1993-1996.

وكانت عائلة "شريف" تاريخيًا قريبة من العائلة المالكة السعودية. وبعد عزل "نواز شريف" عبر الانقلاب العسكري الذي نفذه الجنرال "برويز مشرف" عام 1999، أمضت الأسرة فترة نفيها السياسي في السعودية. ومع وصول الاضطرابات السياسية في باكستان إلى مستويات جديدة بعد أن فرض "مشرف" حالة الطوارئ في عام 2007، عاد "شريف" إلى البلاد. ومع دعم القادة السعوديين لـ"شريف"، قبل "مشرف" على مضض عودة عائلة "شريف" إلى السياسة في البلاد.

وبعد أن أصبح "نواز شريف" رئيسًا للوزراء للمرة الثالثة في عام 2013، أودعت السعودية 1.5 مليار دولار في البنك المركزي الباكستاني لدعم الاحتياطيات الأجنبية للبلاد وتحقيق الاستقرار لحكومة "شريف". وقامت عائلة شريف" أيضًا بتنويع علاقاتها الشخصية في الشرق الأوسط، فهم أصدقاء للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، كما حافظوا على علاقات تجارية مع رئيس الوزراء القطري السابق "حمد بن جاسم آل ثاني".

في المقابل، ظلت علاقة "شريف" مع القيادة الإماراتية فاترة نوعًا ما. ووفقًا لبرقية ويكيليكس، اعتبر ولي عهد أبو ظبي "محمد بن زايد" أن "نواز شريف خطير لكنه ليس قذرًا" فيما اعتبر أن "زعيم حزب الشعب الباكستاني آصف علي زرداري قذر لكنه ليس خطيرًا". في الواقع، ظل القادة الإماراتيون قريبين من عائلة "بوتو".

وبعد أن خسر حزب "بونظير بوتو" انتخابات 1997، ذهبت هي وعائلتها إلى المنفى الذاتي، وأمضت العقد التالي في لندن ودبي. وأجرت أيضًا مفاوضات مع "مشرف" في الإمارات في عام 2007 ولنتهى ذلك إلى اتفاق أوسع لتقاسم السلطة بين الثنائي فيما عرضت حكومة "مشرف" العفو عن "بوتو" في قضايا الكسب غير المشروع وسمحت لها بالعودة إلى باكستان.

من ناحية أخرى، ظلت القيادة السعودية معارضة لـ"بوتو" حتى اغتيالها. وأشار الملك الراحل "عبدالله بن عبد العزيز" إلى زوجها بأنه "رأس فاسد يصيب الجسم كله" بحسب تقرير صدر عام 2010، مشيرًا إلى أنه كان أكبر عقبة في طريق تقدم البلاد.

مع هذا التاريخ، لم يكن مفاجئًا أن يختار رئيس الوزراء الباكستاني الجديد السعودية كوجهة لزيارته الرسمية الأولى، لا سيما بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد. ونظرًا لتراجع احتياطيات البنك المركزي في البلاد إلى مستوى خطير يبلغ 11 مليار دولار، وهو ما يكفي بالكاد لتغطية 90 يومًا من الواردات، فإن أزمة ميزان المدفوعات باتت وشيكة. وقد تم دعم هذه الاحتياطيات بالفعل بالديون، بما في ذلك 2 مليار دولار من كل من السعودية والإمارات.

ومن المتوقع أن يرتفع التضخم بنسبة 15% بحلول الصيف. في غضون ذلك، لم تحرز المفاوضات مع صندوق النقد الدولي أي تقدم حيث إن الحكومة الجديدة مترددة في زيادة أسعار الوقود خوفا من رد الفعل السياسي. ومع تصاعد الضغوط الاقتصادية، تتواصل الحكومة الجديدة مع شركائها في الخليج للحصول على دعم اقتصادي كبير.

لقد ظلت العلاقات الباكستانية السعودية فاترة خلال العامين الأخيرين من رئاسة "خان" للوزراء. وكان "خان" قد اقترب من "أردوغان" مع تدهور العلاقات السعودية التركية، وأيد الخطاب السياسي التركي الداعي إلى إنشاء منصة سياسية جديدة لمعالجة مشاكل العالم الإسلامي، وتحدي منظمة التعاون الإسلامي التي تقودها السعودية.

ولتدشين بداية جديدة كرئيس للوزراء، يبدو أن "شهباز شريف" يركز على بناء علاقة شخصية مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" والاستفادة من العلاقات التاريخية لعائلته مع السعودية للحصول على الدعم المالي السعودي الذي تشتد الحاجة إليه.

ومع ذلك، يبدو أن القيادة السعودية تتوخى الحذر في الوقت الحالي فيما يتعلق بالتزاماتها وقد أمضت فقط دعم مالي قائم بقيمة 3 مليارات دولار بدلاً من بدء منحة جديدة. وقد توافق السعودية أيضًا على تقديم ما قيمته 1.2 مليار دولار من النفط على مدفوعات مؤجلة إذا نفذ الطرفان صفقة تم الانتهاء منها خلال الأشهر الأخيرة من حكومة "خان".

وكانت حزمة الدعم هذه أقل بكثير من توقعات "شريف". وبدا أن هذا أجبر رئيس الوزراء على تحديد موعد زيارة طارئة إلى الإمارات عشية عطلة عيد الفطر لطلب دعم مالي من القيادة الإماراتية. وكان من اللافت وصول فريق اقتصادي رفيع المستوى من الإمارات إلى باكستان في العيد لمتابعة نفيذ القرارات التي تم اتخاذها في اليوم السابق، مما يوضح شعور "شريف" بالإلحاح ويوحي بأن الإمارات قد تكون على استعداد لتقديم إنقاذ مالي لباكستان.

في غضون ذلك، أجرى "شريف" محادثات هاتفية مع القيادتين القطرية والتركية في محاولة لفتح آفاق جديدة للدعم المالي.

ومن الواضح أن حكومة "شريف" تواجه تحديات سياسية واقتصادية هائلة. فمن ناحية، بلغت شعبية "خان" ذروتها في أعقاب رحيله، ومن ناحية أخرى تواجه الحكومة ضغوطًا من صندوق النقد الدولي لعكس دعم الوقود، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة هائلة في الأسعار وتفاقم المشاكل السياسية للحكومة.

لذلك، يمكن أن يكون الدعم المالي من دول الخليج العربية بمثابة شريان الحياة السياسي للحكومة الجديدة. وبدون ذلك، قد تضطر القوى السياسية الباكستانية إلى إجراء انتخابات جديدة، مما يؤدي إلى استمرار الاضطراب السياسي والاقتصادي.

 

المصدر | عمر كريم - معهد دول الخليج في واشنطن – ترجمة وتحرير الخليج الجديد