دول الخليج تعيد حساباتها في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1941
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بعد 20 عامًا، تقترب مهمة الناتو في أفغانستان من نهايتها نتيجة اتفاق سلام تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة و"طالبان"، وكانت التسوية التفاوضية في فبراير/شباط 2020 نتاج سنوات من المشاركة المباشرة وغير المباشرة بين الجانبين.

وكانت قوات الناتو العمود الفقري للعمليات المناهضة ل"طالبان" في أفغانستان، ومنذ أن بدأت انسحابها في الأول من مايو/أيار، استولت "طالبان" على أكثر من 50 منطقة في جميع أنحاء البلاد مما أثار مخاوف محللي المخابرات الأمريكية وكبار المسؤولين العسكريين من أن "طالبان" قد تسيطر على العاصمة كابل في أقل من عام.

وبينما تتكشف اللعبة النهائية الأفغانية، يقوم اللاعبون السياسيون في الشرق الأوسط بحساب خياراتهم في هذا السوق السياسي.

تتمتع العديد من دول الشرق الأوسط بعلاقات تاريخية عميقة مع أفغانستان. وقد تطورت بعض أهم الروابط السياسية خلال الاحتلال السوفيتي، حيث انضم مقاتلون من جميع أنحاء العالم العربي إلى المقاومة الأفغانية المسلحة.

ولكن مع الانسحاب السوفيتي من أفغانستان في عام 1988، انزلقت البلاد في آتون حرب أهلية بين الفصائل المتناحرة. ومن بين هذه الفوضى، خرجت حركة "طالبان" التي استطاعت السيطرة على 90% من أفغانستان بحلول عام 1998. 

 

لاعبو الخليج في أفغانستان بعد 11 سبتمبر/أيلول

وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، تمت الإطاحة بنظام "طالبان" من السلطة بعد الحملة العسكرية التي شنها تحالف بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان. وأدى إنشاء نظام سياسي جديد في فترة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول إلى تغيير طبيعة علاقات دول المنطقة مع أفغانستان. وقد أرسلت الإمارات مفرزة من القوات تحت رعاية بعثة الناتو التابعة لقوات المساعدة الدولية في عام 2003 وشاركت في مهام التدريب والدعم، وفي بعض الأحيان دخلت في مواجهة مسلحة مع "طالبان"، حتى انتهت مهمة "إيساف" في ديسمبر/كانون الأول 2014.

ولعبت تركيا دورًا مهمًا آخر مع قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان ولكن فقط من خلال أدوار غير قتالية، حيث ركزت على تدريب القوات الأفغانية وتقديم المساعدة اللوجستية لقوات الناتو.

واتخذ تدخل الإمارات في أفغانستان منعطفا مهما بعد مقتل السفير الإماراتي "جمعة محمد عبدالله الكعبي" إثر تفجير في مدينة قندهار جنوبي أفغانستان مما أسفر أيضا عن مقتل 5 دبلوماسيين إماراتيين آخرين. وعززت الإمارات العلاقات مع حكومة الرئيس الأفغاني "أشرف غني" وزادت عدد القوات الإماراتية التي تدرب قوات النخبة الأفغانية لمواجهة "طالبان".

وفي مؤشر على التقارب السياسي بين كابل وأبوظبي، وجه السفير الأفغاني لدى الإمارات انتقادات لقطر، الدولة المضيفة للمحادثات بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، لعدم الضغط على "طالبان" بما يكفي للحد من العنف واقترح أماكن مختلفة للمفاوضات.

وكانت السعودية لاعباً رئيسياً في الساحة السياسية الأفغانية منذ الاحتلال السوفيتي، حيث دعمت في البداية قادة المجاهدين ثم "طالبان". ومع ذلك، تغيرت المشاركة السعودية في أفغانستان أيضًا بعد 11 سبتمبر/أيلول. وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين، حافظت شبكات المخابرات السعودية على روابط مع "طالبان" بالتنسيق مع المخابرات الباكستانية. وفي محاولة لتعزيز أهميتها في قضية بأفغانستان، سهّلت الحكومة السعودية في عام 2008 محادثات السلام بين مسؤولي الحكومة الأفغانية و"طالبان".

لكن في عام 2009، فقدت السعودية نفوذها على "طالبان" عندما طردت الرياض المبعوث السياسي لـ"طالبان" من المملكة. كان هذا إلى حد كبير بسبب رفض "طالبان" الشروط السعودية المسبقة للوساطة مع الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، بما في ذلك مطلب إدانة "القاعدة "علانية قبل المحادثات.

وقد اتخذ السعوديون هذا الموقف على عكس نصيحة شركائهم الباكستانيين الذين رأوا أن مثل هذه القطيعة ستفتح الطريق أمام علاقات أكبر بين "طالبان" وإيران، وهو ما حدث لاحقًا. ومنذ عام 2009، تمكنت السعودية فقط من الحفاظ على اتصالاتها مع الحكومة الأفغانية في كابل.

وكانت قطر لاعبًا نشطًا آخر في المجال السياسي الأفغاني. واستضافت قطر، المعروفة بخبرتها في مجال الوساطة، مكتب "طالبان" منذ عام 2013 بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة. وكانت الدوحة أيضًا مكانًا لمحادثات السلام بين "طالبان" والولايات المتحدة ثم مع الحكومة الأفغانية.

كما استضافت دول أخرى مفاوضات بين "طالبان" وممثلي الولايات المتحدة، بما في ذلك الإمارات في مبادرة رعتها باكستان. لكن ممثلي "طالبان" اشتكوا من ضغوط من أبوظبي والرياض لإشراك الحكومة الأفغانية في المفاوضات وطلبوا بإعادة المحادثات إلى قطر. وأوضح موقف "طالبان" هذا أنه كان هناك قدر كبير من الثقة بين الدوحة و"طالبان".

 

انسحاب الناتو وإعادة ضبط الموقف الخليجي تجاه أفغانستان

كانت قطر لاعباً رئيسياً في أفغانستان لسنوات عديدة، وبرزت جميع التطورات الرئيسية المتعلقة بعملية السلام الأفغانية في قطر. ومع انسحاب قوات الناتو من أفغانستان وإحجام جيرانها عن تزويد الولايات المتحدة بتسهيلات لوجستية لتنفيذ عمليات عسكرية مستقبلية، ازدادت الأهمية الجيوسياسية لقطر. تم نقل القيادة العملياتية لأفغانستان إلى القيادة المركزية الأمريكية التي لها مقر أمامي في قاعدة "العديد" الجوية في قطر، والتي تستضيف أيضًا قاذفات "بي52" المناسبة للقصف لمسافات طويلة في أفغانستان. وفي هذا السياق، ستصبح قطر مركزًا عملياتيًا رئيسيًا لأي عمليات عسكرية بعد الانسحاب.

ومع ذلك، من الصعب تخيل كيف ستحافظ قطر على علاقاتها الدافئة مع "طالبان" إذا تغيرت الظروف وسمحت بأي عمل عسكري للقيادة المركزية ضد "طالبان" انطلاقا من أراضيها. وعلى المدى القصير، اتصل الناتو بقطر لتأمين قاعدة لتدريب القوات الأفغانية الخاصة. وإذا قبلت قطر، فإنها ستصبح قناة سياسية واستراتيجية رئيسية بين دول الناتو وأفغانستان. ومع ذلك، قد يؤدي ذلك إلى الإضرار بعلاقاتها مع "طالبان"، والتي من المحتمل أن تعتبر ذلك محاولة لتعزيز الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية.

ومن المثير للاهتمام أن تركيا حليف قطر تستعد أيضًا لتولي أمن وإدارة مطار كابل الدولي، في محاولة لإعادة تأهيل علاقتها مع الولايات المتحدة.

وإذا ظلت المشاركة السياسية لدولة الإمارات والسعودية مقصورة إلى حد كبير على الكيانات الحكومية الأفغانية، فقد لا يكون لهما نفس رأس المال في هذا السوق السياسي.

حاولت السعودية في يونيو/حزيران استغلال قوتها الدينية الناعمة من خلال عقد مؤتمر إسلامي حول إعلان السلام في أفغانستان تحت رعاية رابطة العالم الإسلامي ومقرها مكة. وقد جمعت السعودية كبار العلماء والمسؤولين الحكوميين من أفغانستان وباكستان لمناقشة المصالحة بين الفصائل المتحاربة في أفغانستان. ومع ذلك، فإن غياب أي تمثيل لـ"طالبان" أو كبار المسؤولين السعوديين جعلها مجرد حفلة علاقات عامة.

ويبحث الطاجيك السنّة الناطقون بالفارسية في أفغانستان، والذين كانوا تقليديًا متحالفين مع إيران، عن رعاة جدد في الخليج. وقد تقدم السعودية لهم قاعدة دعم مثالية، لكن الرياض لم تعرب عن اهتمامها الجاد بتعميق انخراطها السياسي مع الأحزاب غير الحكومية في أفغانستان.

ومع دخول الصراع في أفغانستان مرحلة جديدة وقيام أمراء الحرب المحليين بإعداد ميليشيات خاصة لمحاربة "طالبان"، يلوح في الأفق شبح حرب أهلية. ولتجنب مثل هذا السيناريو، يجب على القوى الخليجية تعزيز انخراطها الدبلوماسي مع جيران أفغانستان واستخدام قوتها المالية والدينية الناعمة للتعامل مع أصحاب المصلحة المحليين.

وبهذه الطريقة فقط يمكن لدول الخليج أن تساعد في تحقيق الاستقرار في أفغانستان ورسم مسار نحو السلام والمصالحة.

 

المصدر | عمر كريم - معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد