هل يمكن أن تنجح فكرة «الناتو العربي»؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2575
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

يقترب التحالف العربي، الذي يتكون من القوات الحكومية اليمنية والمملكة العربية السعودية والإمارات والمغرب والبحرين ومصر والكويت والسودان والأردن، وبعض الحركات المرتزقة، من الدخول في المرحلة الحاسمة لتحرير مدينة وميناء «الحديدة» من السيطرة الحوثية. وقد تم مؤقتا وقف الهجوم للسماح للأمم المتحدة بالتفاوض على حل سياسي للمأزق، بما في ذلك انسحاب الحوثيين من المدينة.
وسوف يتجنب هذا القرار وقوع خسائر جسيمة في صفوف المدنيين في الوقت الذي يمهد الطريق أمام الائتلاف، بدعم من الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والفرنسية لتأمين المطار، الذي كان بمثابة نقطة الدخول الرئيسية للمساعدات الإنسانية إلى البلاد، وكذلك للصواريخ الإيرانية وغيرها من الأسلحة المتقدمة. ويبدو أن القوات تستعد الآن لما قد تكون مهمة طويلة ومرهقة.
وتستمر الحرب في اليمن منذ أكثر من 3 أعوام. وقد واجه التحالف الذي تقوده السعودية العديد من العقبات، مثل القوات البرية غير المدربة، والأراضي الوعرة التي تحدت فعالية حملته الجوية، والاستخبارات الخاطئة، أو الحوثيين، وهم عدو لا يرحم استفاد من تدفق الأسلحة المتطورة والتدريب من إيران وحزب الله (كما تعترف الأمم المتحدة الآن)، فضلا عن منظمات إرهابية متنوعة تسعى إلى زعزعة استقرار الوضع، وكان استجلاب دعم الدول الغربية ومواجهة آلية الدعاية المدعومة من إيران، وحل النزاعات الداخلية، تحديات لا يستهان بها أيضا.

توترات داخل التحالف
وأحاطت التوترات بالتحالف، مما عقد قدرته على الاستمرار في التركيز على المهمة. أولا، دعمت القوات الإماراتية، المدربة بشكل أفضل، مجموعة انفصالية معارضة لحكومة «هادي» المدعومة من السعودية، وتركز مهمة ومصالح الإمارات بشكل أكبر على محاربة الإسلاميين، أكثر من مواجهة النفوذ الإيراني، في حين تنظر السعودية إلى دعم طهران للحوثيين، الذين أطلقوا مرارا وتكرارا الصواريخ باتجاه الرياض، وطالت صواريخهم بعض الأماكن الحيوية في المملكة، كتهديد وجودي.
ثانيا، تمت مطالبة قطر، التي كانت جزءا من التحالف، بالمغادرة في عام 2017، بعد فرض حصار عليها من قبل اللجنة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين. وأدى انسحاب قطر إلى تشتيت حكومة «هادي»، التي يتعاطف بعض أعضائها مع الدوحة، بينما أيد آخرون الرياض، وفي حين تم إعطاء العديد من الأسباب العامة للحصار البحري والجوي والبحري على الدوحة، والذي ثبت أنه غير فعال إلى حد كبير بعد عام كامل، لم يكن هناك الكثير من النقاش حول الأسباب العسكرية لإبعاد قطر عن التحالف، على الرغم من التكاليف.
ثالثا، تهدد التوترات الأخيرة بين المغرب والسعودية بزعزعة استقرار التحالف، حيث تحث بعض الأصوات في المغرب الرباط على سحب جميع القوات من اليمن. وتتعدد أسباب الخلاف، الذي ينطوي على احتمال حدوث عواقب درامية وغير مرغوب فيها. ووفقا لبعض الخبراء، تنافس المغرب السعودية كمنارة للإسلام المعتدل، وهو ما يعني في نهاية الأمر سياسات خارجية متنافسة، ونقص التماسك في تنسيق الالتزامات. ومع ذلك، فإن هذا التفسير غير دقيق، حيث تسعى المغرب إلى الابتعاد عن الخصومات الإقليمية والصراعات، من خلال تطوير هويتها كدولة أفريقية بدلا من دولة شرق أوسطية، وإذا كان هذا هو المنطق، قد تدفع المنافسة الودية كلا البلدين لتطوير مؤسسات تعليمية وثقافية قوية تفيد المنطقتين.
غير أنه إذا ما تم اتخاذ هذا الإجراء في سياق عدائي، فسوف يكون ذلك عبثيا ومدمرا، في نفس الوقت الذي تشارك فيه البلدان أهدافا ومصالح هامة. ومن المستحيل إنكار أن المغرب اتبع سياسة خارجية مستقلة، بما في ذلك رفض المشاركة في الحصار المفروض على قطر، والحفاظ على علاقة تجارية متنامية مع الدوحة.
وأثار ذلك غضب المسؤولين السعوديين، بمن فيهم رئيس الهيئة العامة للرياضة، «تركي آل الشيخ»، الذي حاول معاقبة المغرب بقوة من خلال دعم السعودية لملف أمريكا الشمالية المشترك لتنظيم كأس العالم 2026، ضد ملف المغرب.
وكان «آل الشيخ» غير راضٍ عن علاقة الرباط المستمرة بالدوحة، وضعف التمثيل المغربي في اليمن، وهو ما جعله يضع جهدا كبيرا لدعم اهتمام «دونالد ترامب» الغريب بكأس العالم، حيث ضغط على الدول التي كانت ستقف إلى جانب المغرب، الأمر الذي انتهى بتصويتها لصالح الولايات المتحدة بدلا من ذلك.
ومن جانبها نظرت الرباط إلى السياسيات السعودية على أنها أعمال خيانة. ومن المؤكد أن إيران كانت سعيدة بهذه الخلافات العلنية، حيث يظهر انعدام الثقة المتنامي ضعف التحالف في اليمن وفي أماكن أخرى. وبالمثل، فإن هذه الاختلافات تنتقص من التماسك في ساحة المعركة. ويواجه التحالف المهمات الشاقة المتمثلة في إزالة الألغام من ضواحي مدينة «الحديدة»، والاضطرار إلى القتال في الشوارع، حيث يستدرجهم لذلك الحوثيون لتعظيم الضرر الذي يمكنهم إلحاقه بالقوات.
وبسبب الطبيعة المتطورة للعدو، لا يستطيع التحالف تحمل رفاهية التشويش من قبل مسائل عرضية سطحية. وبالتأكيد، فإن في كل تحد، فرصة.

فرص التدخل الأمريكي
وقد يجبر تواجد «حزب الله» المتنامي في اليمن القوات الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية على زيادة التدخل لمكافحة الإرهاب وتوحيد أعضاء التحالف المنهكين حول التهديد المشترك. وكانت المشاركة الأمريكية محصورة حتى الآن في جمع المعلومات الاستخباراتية، والتزود بالوقود، ومكافحة تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة.
وفي واشنطن، لا يوجد دعم عام لزيادة التزام القوات الأمريكية بما ينظر إليه، على نطاق واسع، على أنه حرب بالوكالة ضد إيران. وفي الواقع، كانت المشاركة الأمريكية الحالية مثيرة للجدل في «الكونغرس»، مع العديد من القرارات الفاشلة التي دفعتها إلى الانسحاب، علاوة على ذلك، فإن زيادة الوجود العسكري الأمريكي لمحاربة الحوثيين بشكل مباشر قد يعتبر عملا من أعمال الحرب، الأمر الذي قد يتطلب تفويض الكونغرس من جديد.
ومع ذلك، لن يشكل توسيع نطاق عمليات مكافحة الإرهاب ضد العناصر الفاعلة من غير الدول تحديات من هذا القبيل. ولقد أصبحت محاربة «حزب الله» أولوية لإدارة «ترامب»، خاصة وأن كشفا أخيرا أظهر وجوده الواسع في أمريكا اللاتينية، وتعاونه مع عصابات المخدرات، وعصابات التسلل إلى الولايات المتحدة. كما يلعب «حزب الله» دورا مهما في سوريا، إلى جانب القوات الإيرانية والميليشيات العراقية والسورية وجيش الأسد.
ويقوم «حزب الله»، بمساعدة دبلوماسيين إيرانيين، بتمويل عملياته من خلال الأنشطة الإجرامية مثل تسليح جماعة «البوليساريو» الانفصالية في شمال أفريقيا، والتي تهدد سلامة أراضي المغرب، ويبيع الأسلحة غير المشروعة إلى دول غير مستقرة أخرى. ومؤخرا، تم تجريد دبلوماسي إيراني يعيش في فيينا من حصانته الدبلوماسية بعد اتهامه جانب مساعدين في بلجيكا وفرنسا، بالتخطيط لهجوم إرهابي ضد تجمع للمعارضة الإيرانية في باريس. ومن غير المفاجئ أن يكون «حزب الله» متورطا في هذه المؤامرة، لأنه كان مرتبطا بهجمات مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد أصبح «حزب الله» وكل ما يرتبط به من وكلاء مدعومين من إيران مشكلة عالمية تهدد أمن واستقرار جميع الحلفاء، الغربيين والعرب.
وفي لبنان، كان حزب الله يعمل بجد من أجل تقسيم الكتلة السنية المدعومة من الإمارات والسعودية، علاوة على ذلك، أصبح «حزب الله» أكثر نجاحا في تجنيد الشيعة الساخطين في لبنان، من خلال الاستفادة من انتشار المخدرات ونقص التنمية، لا سيما في المناطق القبلية.
وتوجد فرصة هنا للتحالف لمواجهة هذا النفوذ من خلال نشر المساعدات والتنمية المباشرة في هذه المناطق، ومكافحة تهريب المخدرات من خلال وسائل محددة وموجهة. وهناك أيضا مجال لاستغلال الانقسامات الكامنة، فعلى سبيل المثال، هناك منطقة «البقاع»، المليئة بالعشائر المسلحة التي تم تضليلها وخداعها من قبل «حزب الله»، الذي قام بتجنيد جنود المشاة من هناك، بينما كان يجعل الضباط من المدن الأكبر والأكثر مركزية.
وبالنظر إلى استراتيجية طهران، الرامية إلى بناء قواعد بحرية والسيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية ومع الرؤية الاستراتيجية الواضحة لامتداد «حزب الله» عبر العديد من القارات والدول، يمكن للتحالف العربي مع الولايات المتحدة وحلفائها توحيد الجهود لمكافحة هذا التهديد وتوجيه ضربة قاصمة للجمهورية الإسلامية نفسها، مما يؤدي إلى قطع مصدر التمويل إلى وكلائها الباقين.
فبدلا من صرف الانتباه إلى الاختلافات والأهداف قصيرة المدى الضيقة التي تنفر أعضاء التحالف على حساب المصالح الاستراتيجية والأمن العالمي، يجب على الشركاء العمل على خلق حلف ناتو جديد في العالم العربي. وسيكون الحلف العربي عبارة عن تحالف عسكري وأمني مخصص للدفاع، ومعزول عن النزاعات الاقتصادية أو الدبلوماسية أو السياسية. ومن شأن مثل هذا النظام أيضا أن ينجو بعيدا عن اعتبارات الشخصيات المتنافسة وتغييرات القيادة، ويمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورا حيويا في تدريب وتقوية ودعم الناتو العربي الوليد، والذي يجب أن يضم أيضا شركاء راغبين وقادرين ضد الأعداء المشتركين، وسيكون دور «حزب الله» في الصراعات التي تهدد كل المعنيين نقطة رائعة للبدء.

** المقالات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
المصدر | إرينا تسوكرمان - مركز بيجن - سادات للدراسات الاستراتيجية