قمة التبرّؤ من «القدس»:«الحزم» لإيران واليمن… و«الرز» للفلسطينيين

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2122
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

مقالات مختارة : صحيفة الاخبار اللبنانية
 على نحو ما كان متوقعاً جاءت نتائج القمة العربية الـ29 التي انعقدت في الظهران. لا جديد في قراراتها سوى الحرص السعودي على الابتعاد من لوثة التطبيع التي باتت ملازِمة للمملكة منذ صعود نجم محمد بن سلمان. 200 مليون دولار من «الرز» السعودي أرادت من خلالها الرياض ذرّ الرماد في العيون، والتعمية على خطوات التطبيع الجارية في السر والعلن. لكن ذلك كله لم يحجب الغاية الرئيسة من القمة: إدانة إيران، والمطالبة بمعاقبتها، والدعوة إلى وضع حد لـ«مشروعها».
عبثاً حاول سلمان بن عبد العزيز تحوير اسم القمة «البائسة» التي انعقدت في مدينة الظهران وظاهرَ أهدافها. ظلّت فلسطين الغائب الأكبر، وإيران الحاضر الأول، و«الميليشيات الحوثية» الشاغل الأبرز. ظنّ الملك السعودي أن بتسميته القمة العربية الـ29 «قمّةَ القدس» سيحجب الأنظار عن حقيقة الدافع وراء عقدها في المنطقة الشرقية بدلاً من الرياض أو جدة، والتي تتلخّص في تهديد الصواريخ «الباليستـ(يكي)ـة» اليمنية كما أطلق عليها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عندما قرّر ممالأة أصحاب «الرز» من خارج النص المكتوب. هذا «الرز» هو عينه ما اعتقد والد «زبون صفقة القرن» أنه بِذَرِّه في وجه الرأي العام يستطيع تمويه العملية التطبيعية التي يقودها نجله محمد منذ أشهر.
بخلاف ذلك، لا يمكن فهم إعلان سلمان التبرع بـ200 مليون دولار للفلسطينيين (150 منها لدعم الأوقاف الإسلامية في القدس، و50 أخرى لصالح وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، في وقت خلا فيه البيان الختامي للقمة، وحتى الكلمة التي ألقاها الملك السعودي في مستهلها والتي ادعى فيها أن «القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى، وستظل كذلك»، من أي موقف حازم إزاء قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأخير الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. في ما عدا التشديد المتجدّد على رفض القرار، وإعادة اللازمة المجترّة حول حق «الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية»، لم يحمل البيان المصوغ سعودياً أي إشارة إلى تحرك محتمل لمواجهة التحدي الأميركي، سوى الوعد بـ«تقديم الدعم اللازم للقضية الفلسطينية»، واستجداء «استئناف المفاوضات» من المجتمع الدولي. وهذا ما كان أُعلن منذ اللحظة الأولى لإعلان ترامب، والذي لم يستدعِ – من وجهة نظر «خادم الحرمين» وحلفائه – عقد قمة طارئة، فتأجّل اجتماع الزعماء العرب إلى ما بعد أربعة أشهر من قرار الرئيس الأميركي، ليأتي بيانهم هزيلاً ومكروراً على أكثر مما درجت عليه العادة.
لكن السعودية «السلمانية» تبدو معذورة في هُزالها المقصود هذا. ذلك أن المطلوب بالنسبة إليها اليوم، هو الاكتفاء بالحد الأدنى من التضامن مع الفلسطينيين في العلن، وتكثيف محاولات تكريس التطبيع مع الإسرائيليين في السرّ والعلن، والأهم توجيه جميع الجهود نحو التصدي لـ«المطامع الإيرانية» في المنطقة. من هنا، يظهر مفهوماً أن يتركز جزء كبير من كلمة سلمان الافتتاحية، وكلمة وزير خارجيته عادل الجبير الختامية، والبيان الصادر عن القمة، على «رفض التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية»، وإدانة «ما تقوم به طهران من تأجيج مذهبي وطائفي في الدول العربية، بما في ذلك دعمها وتسليحها للميليشيات الإرهابية»، ومطالبة الجمهورية الإسلامية بـ«سحب ميليشياتها وعناصرها المسلحة من كافة الدول العربية، وبالأخص سوريا واليمن». مواقف كانت توقعتها إيران منذ صباح الأحد على لسان مستشار المرشد، علي أكبر ولايتي، الذي رأى، أنه «لا أهمية لاجتماع القمة العربية»، مضيفاً أن «هذا الاجتماع سيخرج ببيان نهائي دوّنته حكومة متزلزلة لا قيمة لها».
حديثٌ يبدو منطبقاً بوضوح على الشق المتصل باليمن، والذي ظهر وكأنه مقتبس من الإفادات شبه اليومية للمتحدث باسم تحالف العدوان، تركي المالكي. دان البيان إطلاق الصواريخ الباليستية على أراضي المملكة، مؤكداً «دعمنا ومساندتنا للسعودية في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها»، مكرّراً معزوفة الرياض عن «مطالبة المجتمع الدولي بتشديد العقوبات على إيران، ومنعها من تزويد ميليشيات الحوثي بالصواريخ الباليستية». ولم يَفُت المجتمعين تجديد مساندتهم «جهود التحالف العربي لإنهاء الأزمة اليمنية… بما يؤمن استقلال اليمن ووحدته، ويمنع التدخل في شؤونه الداخلية»، والإشادة بـ«حرص التحالف على الالتزام بالقانون الدولي في عملياته»، وقراره «فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة»، و«وقوفه إلى جانب الشعب اليمني من خلال مشاريع مركز الملك سلمان» الذي تفيد آخر المعلومات الواردة من اليمن بأنه يرفض استقبال جرحى المواجهات الأخيرة من القوات الموالية لـ«التحالف»، مُفضِّلاً إبقاءهم في مراكز مقامة على الحدود، من دون إدخالهم إلى مستشفيات الرياض حتى. لكن الرئيس «المحتجز»، عبد ربه منصور هادي، يأبى في كل مرّة إلا أن يصفّق لـ«مُحتجِزيه»، الذين «يحمون العالم من أخطر مشروع يتهدد الأمن الدولي»، قاصِداً به «مشروع إيران في اليمن».
في ما يتصل بسوريا، التي تفادى سلمان التطرق في كلمته الافتتاحية إلى العدوان الثلاثي عليها ولو من بوابة «التهليل»، تَجنّب البيان الختامي للقمة هو الآخر الإدلاء بموقف حول الضربات الغربية ضدها، مكتفِياً بالقول «(إننا) تابعنا ما قامت به القوة الغربية في سوريا» بعدما برز انقسام بين الدول العربية بهذا الشأن، ومتحاشياً تحميل أي طرف مسؤولية ما يقال إنه استخدام للسلاح الكيماوي، طالَب بـ«تحقيق دولي مستقل» بشأنه. وأعاد البيان التشديد على ضرورة «التوصل إلى تسوية سلمية على أساس جنيف 1، تحفظ وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، وتنهي وجود جميع القوات الخارجية والجماعات الإرهابية الطائفية فيها»، في إشارة من قِبل كاتب البيان السعودي إلى ما سمّته الرياض بوضوح في فقرة سابقة «الميليشيات الإيرانية في سوريا واليمن».
أما في ما يتعلق بقطر التي غاب أميرها، تميم بن حمد، عن القمة، فلم يحضر ملف الخلاف معها على جدول أعمال اجتماع الظهران، إلا أن وزير الخارجية السعودي تطرّق، في مؤتمره الصحافي عقب القمة، إلى الموضوع، مكرراً القول إن «نشاطات قطر مرفوضة»، وداعياً الدوحة إلى «التوقف عن حالة النكران التي تعيشها، وعن دعم المتطرفين». وكعادتها عند كل مناسبة في الإتيان بـ«بهلوانيات خطابية» تستهدف التشديد على «محوريتها ومركزيتها» في العالم العربي، أعلنت السعودية، على لسان ملكها، عما سمتها «مبادرة تعزيز الأمن القومي العربي لمواجهة التحديات المشتركة»، في ما يُذكِّر بمشاريع سابقة آلت إلى النسيان كـ«التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب».