الجِنرال سليماني يُجَدِّد تهديداتِه بإغلاق مضيق هرمز.. وحُلفاؤه الحوثيون يُغلِقون “باب المندب” والحَرب لم تَبْدَأ بَعد.. ما هِي المُفاجأة المُقبِلة.. وأين؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2519
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عبد الباري عطوان
 قبل أُسبوعٍ بَثَّ الجِنرال قاسم سليماني، رئيس فيلق القُدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ حالةً من الرُّعب عندما أكَّد جُهوزيّته، وقُوّاته، لتَنفيذ توجيهات السيد علي خامنئي المُرشِد الأعلى للثورة الإيرانيّة بإغلاق “مضيق هرمز” في حالِ منع الصادرات النفطيّة الإيرانيّة لنُفاجأ اليوم بأنّ الإغلاق الفِعليّ بات يُهدِّد مضيق “باب المندب” في مدخل البحر الأحمر حيث يَمُر خمسة ملايين برميل من النِّفط الى أوروبا يوميًّا، وتقليص أهم مَورِد ماليّ للسُّلطات المِصريّة، أي عَوائِد قناة السويس (5.2 مليار دولار).
السيد خالد الفالح، وزير الطاقة السعوديّ أصدَر بَيانًا مساء أمس الأربعاء أعلن فيه وَقفًا مُؤقَّتًا لكُل شُحنات النفط السعوديّة عبر مضيق باب المندب (حوالي 800 ألف برميل يَوميًّا)، بعد استهداف ناقِلَتين عِملاقَتين للنِّفط تتبعان شركة الشحن السعوديّة الرسميٍة من قبل جماعة “أنصار الله” الحوثيّة، بصاروخٍ ألحق بإحداها “أضرارًا طَفيفة”.
الحوثيون نَفوا استهداف الناقِلتين السُّعوديّتين العِملاقتين (سِعة كُل واحِدة 2 مليون برميل)، وقالوا في بيانٍ رسميّ بثّته قناة “المسيرة” أنّهم قصفوا بارِجةً حربيّةً سُعوديّةً “الدمام” بصاروخٍ مُناسِب، وهُناك معلومات تُؤكِّد تلقّيهم أو امتلاكهم صواريخ بحريّة مُتقدِّمَة جدًّا كمًّا ونَوعًا.
***
أسعار النفط ارتفعت بمُعدَّل 1 بالمِئة من جرّاء هذا القصف الصاروخيّ البَحريّ، لتَعود إلى الانخفاض قليلاً، لكن تَبِعات هذا القرار السعوديّ ربّما تَفوق كُل التَّصوُّرات، لأنّه يعني أنّ البحر الأحمر لم يَعُد آمِنًا أوّلاً، وأنّ على النَّاقِلات السُّعوديّة أن تَستخدِم طريق رأس الرَّجاء الصَّالِح في جنوب أفريقيا ممّا يعني زِيادَة أسعار الشحن بسبب طُول المسافة (15 يومًا)، وزيادة أسعار بواليص التأمين أيضًا، ممّا يعني أن مُعظَم خُطَط الرئيس ترامب لتَخفيض أسعار النِّفط على حافّة الانهيار.
المسألة لم تَعُد مسألة كُلفَة ماليّة، وإنّما خُضوع أهم مضيقين استراتيجيّين، الأوّل في مدخل الخليج (هرمز)، والثاني في مدخل البحر الأحمر (باب المندب) لسيطرة إيران وحُلفائِها ووقوعِهما تحت رحمتهم، واستخدامهما كورقةٍ قويّةٍ في الحَرب النفسيّة الدَّائِرة حاليًّا بين أمريكا وحُلفائِها من جهة، وإيران وحُلفائِها في الجِهَةِ الأُخرى، لحِين مَجيء الوَقت لاستخدامِهِما عَسكريًّا.
الحوثيون هدَّدوا أكثر من مرّة بإغلاق مضيق باب المندب، ولكن تهديداتِهم لم تُؤخَذ بالجِديّة المُتوقَّعة من قِبَل الجهات التي جرى توجيهها إليهم، والسعوديٍة وأمريكا تحديدًا، وها هُم يُنَفِّذون هَذهِ التَّهديدات جُزئيًّا، وها هو الجِنرال قاسم سليماني يُعلِن “أنّ البحر الأحمر لم يَعُد آمِنًا مع وجود القُوّات الأمريكيّة في المِنطَقة، وعلى الرئيس دونالد ترامب أن يعلم أنّنا أُمَّة شَهادة ونحن في انتظارِه”.. مُضيفًا “أنتم ستَبدأون الحَرب ولكنّنا نحن الذين سنَفرِض نهايَتها”.
هُناك بعض التحليلات لبَعض “الخُبراء” تقول أنّ هُجوم الحوثي على ناقِلتيّ النِّفط يُوفِّر فُرصَةً للسعوديّة والإمارات اللَّتين تَخوضان حرب اليمن مُنذ أربع سنوات تقريبًا لاستقطاب دعم وتأييد دوليين لحَربِهِما هذه، و”تشريع″ هُجومِهِما الذي سيُستَأنف قَريبًا للسَّيطرةِ على الحديدة المُتوقِّف مُنذ بِضعَة أسابيع لعَدم تحقيقه أي تَقدُّمٍ مَلموس، وتحت ذريعة إعطاء فُرصَة لجُهود مارتين غريفيث، المَبعوث الدَّوليّ لليَمن.
أكبر انتصار يُمكِن أن تُحقِّقه الدَّولَتان هو الاعتراف بالهَزيمة وسحب قُوّاتِهما، وترك اليمن لليمنيين فَهُم أقدر على حَل مَشاكِلهم بأنفسهم عبر الحِوار، تَقليصًا للخَسائِر، فمِن غير المُعتَقد أن تتورَّط أي دولة أجنبيّة، عُظمَى كانت أو صُغرَى، في هذه الحرب، فهَذهِ الدُّوَل تعلم جيّدًا أنّ الدُّخول إلى اليمن ربّما يبدو سَهلاً، لكن الخُروج مِنه سيكون في قِمّة الصُّعوبة، خاصَّةً أن التَّورُّط السُّعوديّ ونتائِجه يأتي تأكيدًا للمَقولةِ التاريخيّة التي تقول “اليمن مَقبَرة الغُزاة”، ومحفورة على كُل سَفح من سُفوح اليمن الشمّاء، وإذا كانت دول التحالف فَشِلت في إقناع، أو إغراء، دُوَل عربيّة حليفة لها بالمُشاركة في حرب اليمن، فهل ستَنجح مع روسيا وأمريكا وبريطانيا التي تَعرِف تاريخ اليَمن جيّدًا.
***
الحديدة لن تَسقُط، وإن سقطت بسبب عدم التكافُؤ في موازين القِوى بين المُهاجمين والمُدافعين، فسَيكون هذا السُّقوط تَكتيكيًّا ومُقَدِّمة لحَربٍ جَديدةٍ أكثَر شَراسَةً، وورطة أكبر للتحالف العربيّ، ويَكفِي المُدافِعون عنها أن يستخدموا “المِقلاع” لقَصف جُنودِه بالحِجارة من قِمَم الجِبال، ناهيك عن الصَّواريخ وقذائِف المِدفعيّة والعَمليّات الهُجوميّة الخاصَّة.
اليوم إغلاق باب المندب، وغَدًا مضيق هرمز، وبعد غد ألغام بحريّة عائِمة، وبعد بعد غد طائِرات مُسيّرة بدون طيّار مُزوّدة بالصَّواريخ والقنابِل، فمن يستطيع أن يَهزِم شَعبًا مُستَعِد أبناؤه، أو مُعظَمهم، للعَيش لعِدَّة شُهور مُتَغَذِّيًّا على حِفنَةٍ من الأرز أو القمح، وقارورة ماء، وعِدَّة تمرات، وقِمّة أُمنياتِه أن يستشهد دِفاعًا عن وَطَنِه.
لم يَحدُث في التَّاريخ أن أحَب شَعب غُزاته، وأيًّا كانَت دوافعهم ونَواياهم، وإذا تعاون البعض معهم، فمُؤقَّتًا، ومن باب التقية، ولكم في أفغانستان الكَثير من الدروس والمَواعِظ، والشعب اليمني، أو مُعظَمه، لن يَكون استثناء.
اتركوا اليمن لليمنيين.. فهُم يَتقاتَلون في النَّهار، ويُخزِّنون القات سَويًّا في اللَّيل.. ويتصالحون في نِهايَة المَطاف.. إنّه شَعبٌ عظيمٌ تَسرِي في شرايينهِ جيناتُ حضارةٍ امبراطوريّةٍ انحنَى لها التَّاريخ.