تحولات هيكلية.. عائدات النفط لم تعد تغني عن الإصلاح الاقتصادي في الخليج

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2976
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 تعطي خطط الإصلاح الكبرى الجارية في منطقة الخليج، والتي تتلخص في برنامج التحول الوطني في المملكة العربية السعودية، و«رؤية 2030»، انطباعا عن التحرك السريع نحو تغييرات هامة لا يمكن إنكارها. ولكن مع النجاح الذي حققه اتفاق منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) حتى الآن في رفع أسعار النفط نسبيا، فهناك خطر أن يتوقف الإصلاح المنهجي عن العمل، مع تراجع الإحساس بإلحاح التغييرات غير المريحة. وينطبق هذا بشكل خاص على قطاع الطاقة المهم للغاية.
وقد تم إحراز تقدم ملحوظ حتى الآن. وأدى الاتفاق بين «أوبك» والدول الرائدة المنتجة للنفط من خارج «أوبك»، ولاسيما روسيا، إلى زيادة الأسعار وخفض المخزونات المتضخمة. وهناك الآن محاولات لتنظيم هذا الأمر في ترتيب طويل المدى، حيث يتحدث ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» عن «اتفاق لمدة 10 إلى 20 عاما».
وقد تمت إعادة هيكلة شركة النفط الوطنية. وكان الموضوع الذي استولى على معظم العناوين الرئيسية هو الخطط الموضوعة للاكتتاب العام الأولي بقدر 5% من شركة «أرامكو» السعودية. وحتى في الوقت الذي لا يزال فيه الاكتتاب في مرحلة التحضير والإعداد، فقد أدى ذلك إلى إصلاح شامل في ثقافة الشركة وتنظيمها.
وهناك مزيد من التغيير التحويلي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، التي تعاني منذ فترة طويلة من التنظيم بطيء الحركة. لكن المجلس الأعلى للبترول في الإمارة قرر تنويع الانتشار بين الشركاء الغربيين (أكبر شركات النفط والغاز المتداولة، مثل شركة شل، وشركة إكسون موبيل) والمشترين اليابانيين، والعملاء الرئيسيين في أسواق النمو في الصين والهند وكوريا الجنوبية. وقامت «أدنوك للتوزيع»، وهي ذراعها لبيع الوقود بالتجزئة، بالتحرك بسرعة لبيع 10% من أسهمها في السوق المحلية في ديسمبر/كانون الأول عام 2017.
وتم توسيع صندوق الثروة السيادية «مبادلة»، وهو مستثمر رئيسي في مجال الطاقة، بشكل كبير من خلال اندماجه في أوائل عام 2017 مع شركة الاستثمارات البترولية الدولية، بما في ذلك محفظة تكرير وبتروكيماويات كبيرة. وفي مارس/آذار 2018، عندما تم دمجها مع مجلس أبوظبي للاستثمار، شمل ذلك وضع هيئة مياه وكهرباء أبوظبي، ومكتب التنظيم والرقابة، تحت إدارة جديدة للطاقة.
وفي الكويت، التي طالما كانت مقبرة للمستثمرين، قدمت بعض المشاريع الكبرى في نهاية المطاف تحسينات في قطاع التكرير، ومحطة جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال وإنتاج الغاز العميق الحامض في شمال الكويت. وكانت شركتا «بريتيش بتروليوم» و«شل» تساعدان بهدوء في ظل اتفاقيات الخدمات الفنية. وقامت قطر بدمج شركتيها لإنتاج الغاز الطبيعي المسال للحصول على الكفاءات والمضي قدما في استئناف التنمية في حقل الشمال الذي يستعيد مكانته كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم في أوائل عام 2020. وأعلنت البحرين للتو عن اكتشاف كبير للنفط الخام والغازات العميقة في البحر، على الرغم من أن الإنتاج الفعلي لن يبدأ قبل بضعة أعوام.

المزيد من الإصلاح
وكان إصلاح دعم الطاقة خطوة أخرى مشتركة لدول الخليج. وتم رفع أسعار الوقود والكهرباء والماء في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، وإن كان ذلك في بعض الحالات من مستويات منخفضة للغاية، ولا تزال تحتاج للتحرك للوصول إلى مستوى التكافؤ في السوق العالمية. وقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي للطاقة والصناعة في السعودية والبحرين وعمان. وقد خففت الحكومة تأثير ارتفاع فواتير الطاقة على المواطنين السعوديين ذوي الدخل المنخفض من خلال مدفوعات تحت مبادرة «حساب المواطن»، والتي تشبه المساعدات النقدية التي قدمتها إيران بعد زيادات أسعار الطاقة عام 2010. وفي أبوظبي، تم إقرار زيادات طفيفة على المواطنين وفرضت الزيادات الأكبر على المغتربين، ولا تزال أسعار البنزين الآن بعيدا عن المستويات الدولية في جميع دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء الكويت، في حين لا تزال أسعار الديزل مدعومة بشدة في السعودية، وتحت المستويات العالمية في الكويت والبحرين وقطر.
وقد بدأ انتشار الطاقة المتجددة في دولة الإمارات بالفعل، وهي تتسارع في أماكن أخرى، مع مشروع الطاقة الكهروضوئية (الشمسية) الذي تبلغ طاقته 300 ميجاوات في السعودية، بالإضافة إلى طرح المزيد من المناقصات في الأعمال التي تبلغ 3.3 جيجاوات من الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة وطاقة الرياح. وهناك مشاريع شبيهة في البحرين والكويت وعمان. وقد تم تنفيذ برامج الطاقة الشمسية على الأسطح، وتوفير اللوحات، للشركات والمساكن، في سلطنة عمان ودبي وأبوظبي، وقد تم التخطيط لمثل هذا المشروع في السعودية. وقد جذب مشروع الرياض الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 200 غيغاواط في الرياض -مع شركة سوفت بانك- الكثير من الاهتمام. وتقدمت دولة قطر الغنية بالغاز قليلا في هذا المجال حتى الآن.
وفي الاقتصاد الأوسع، تم إجراء مجموعة متنوعة من التخفيضات في الميزانية وإدخال موارد جديدة لسد العجز، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في السعودية والإمارات، وزادت الضرائب السعودية على الأراضي غير المستخدمة والمشروبات الغازية وإقامات المغتربين وأسرهم.

هل يستمر؟
ويبدو كل هذا جهدا كبيرا. لكن ارتفاع أسعار النفط أضعف الحاجة الماسة للإصلاح، مع شعور واسع الانتشار بين صانعي السياسة بأن الأسوأ قد مر. وعلق «خالد الفالح»، وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي، بأن استمرار خفض الإنتاج سيبقي السوق «مستقرة»، في حين ارتفعت أسعار خام برنت من قاع 45 دولارا للبرميل في يونيو/حزيران 2017 إلى 67 دولارا تقريبا للبرميل في أبريل/نيسان. وتنطوي فكرة اتفاق «أوبك» طويل الأجل على استراتيجية تهدف إلى ارتفاع الأسعار ونمو محدود في الإنتاج على المدى القصير والمتوسط، على حساب خسارة حصة من السوق وتسريع الانتقال إلى التقنيات غير النفطية في المدى الطويل. ويجعل هذا التنويع أكثر إلحاحا. وعلى العكس، إذا انهار الاتفاق، أو إذا استمر النمو القوي في النفط الصخري في الولايات المتحدة، أو حدث تباطؤ اقتصادي عالمي، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة المعروض في السوق، ما يؤدي إلى انخفاض المكاسب الأخيرة في الأسعار، وبالتالي يعطي دفعة جديدة للإصلاح.
وقد واجه مجلس التعاون الخليجي، حتى البحرين وسلطنة عمان التي لا تتمتع بمخزونات كبيرة، مشكلات ضخمة في زيادة الديون. وفي مواجهة الركود في الاقتصاد غير النفطي والسخط العام، استفادت السعودية من المكاسب الأخيرة في أسعار النفط، وخففت المملكة برنامجها التقشفي، واستعادت العلاوات، وقلصت تخفيضات الرواتب، وقدمت مدفوعات لمرة واحدة للطلاب في الخارج، تكلفت نحو 13 مليار دولار. وقد تم تأجيل خطة إحداث التوازن في الموازنة من عام 2020 إلى عام 2023، وهي تتطلب إنتاج النفط بمقدار 11.03 ملايين برميل يوميا، وأن تصل أسعار النفط إلى 75 دولارا للبرميل. وليس من الواضح كيف يتوافق هذان الرقمان مع الالتزام المستمر بضبط النفس في «أوبك»، والاتفاق مع الدول خارج منظمة «أوبك»، أو التأثير المحتمل لارتفاع الأسعار على الطلب العالمي والتنافس على العرض.
ومن المعترف به رسميا الآن أن الاكتتاب العام لـ«أرامكو» السعودية لن يتم قبل 2019. ويجب اتخاذ القرارات قريبا لضمان أن يحدث هذا في بورصة دولية رائدة، ربما لندن، إلى جانب «تداول» السعودية.
وقد قدمت كل من الكويت وعُمان قوائم موسعة بالشركات المخصصة للخصخصة، بما في ذلك التكرير، والبتروكيماويات، والحفر، والخدمات النفطية، والصهاريج، وتجارة الوقود، وتوليد الطاقة، وتحتاج إلى المضي قدما في ذلك. وبالمثل، فقد حان الوقت للسعودية للتحرك على خطط لتقسيم الشركة السعودية للكهرباء وبيعها للمواطنين المحليين أو الشركات المحلية.
وقد استمرت الصناعات الأخرى التي تعتمد على الطاقة أو الاستخراج، مثل الصناعات البتروكيماوية والصلب والأسمنت والألمونيوم والتعدين، في التوسع، وفي بعض الأحيان وصلت إلى منتجات أكثر تطورا، ولكنها لا تزال إلى حد كبير تعتمد على الدولة. ومن شأن المزيد من الخصخصة وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة والوافدين الدوليين أن يقلل من تعرض الدولة لتقلبات أسعار الطاقة والسلع، في حين يعزز من إنتاج القطاع الخاص وخلق فرص العمل.
وقد أدت الفترة الأخيرة من انخفاض أسعار النفط إلى إعادة هيكلة هامة ومتواصلة لقطاع الطاقة عبر دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن الإصلاح كان في بعض البلدان أسرع وتيرة من غيرها، والآن هناك حاجة إلى إعادة التفكير الجذري في أداء اقتصاد الطاقة، لتحقيق أقصى استفادة من استراتيجية «أوبك» الحالية. وعلى خلاف الحلقات السابقة من جهود الإصلاح من قبل منتجي النفط، فهذه المرة يجب أن تظل الحاجة ملحة للإصلاح حتى إذا ارتدت الأسعار الآن.

المصدر | معهد دول الخليج العربي بواشنطن